3.5 مليارات دولار أنفقتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة على الطرقات خلال 25 عاماً (من 1992 حتى 2017)، أي أقل من 140 مليون دولار في العام الواحد. يعكس هذا الرقم «الهزيل» السياسات الرسمية المنتهجة في مرحلة ما بعد إعادة الإعمار، في تقليص حصة الإنفاق الاستثماري من مجمل الإنفاق الحكومي (14.8 مليار دولار فقط للانفاق الاستثماري من أصل 216 مليار دولار أنفقتها الحكومة في الفترة نفسها - راجع «الأخبار»، ملحق «رأس المال»، 24/12/2018)، وطغيان الزبائنية والمحاصصة في تلزيم العقود. التدخل بواسطة الإنفاق العام يكون، بحسب مدير المؤسسة اللبنانية للخدمة الضريبية أمين صالح، بزيادة هذا الإنفاق أو خفضه، أو زيادته في أوجه معينة وخفضه في أوجه أخرى، مثل زيادة الرواتب والأجور في القطاع العام لتحفيز الطلب وزيادة الإنتاج، والإنفاق على التجهيز والإنشاء لبناء وإعادة بناء البنى التحتية التي من شأنها تنشيط الاقتصاد الوطني.لا تشذّ «شتوة» الساعات الماضية عن الواقع الذي يتكرر في كل عام. كانت الأمطار الهاطلة بغزارة كافية لإغراق اللبنانيين من مناطق مختلفة في منازلهم وداخل سياراتهم. اقتحمت السيول الآتية من مطمر الناعمة - عين درافيل الأوتوستراد الساحلي وأقفلت المسلكين الشرقي والغربي. وبدا التعامل معها عصيّاً على الأجهزة الإدارية والفنية المعنية، أو «خارج السيطرة»، وفق تعبير المدير العام للطرق والمباني في وزارة الأشغال العامة طانيوس بولس. فقد أعادت الأمطار الهاطلة بغزارة الحياة إلى مجاري الأنهار والسواقي، جارفة معها، دفعة واحدة، كميات كبيرة من النفايات أو الأتربة والصخور، ما أعاق حركة السير وتسبب بحوادث اصطدام وانزلاقات للسيارات. وبفعل تجمّع الأمطار، شهد المكان زحمة لم تتحلحل إلا بعد تدخل عناصر القوى الأمنية في ساعات المساء الأولى.
لكن في كل مرة تباغت «فيها الطبيعة» المعنيّين، تعود التبريرات نفسها وتتجدّد التساؤلات: أين تكمن المشكلة، هل هي في تمويل عقود الصيانة وتنفيذها؟ أم في تأخير التلزيمات؟ ولماذا يصعب دائماً تحديد المسؤوليات ومحاسبة المرتكبين؟
بحسب بولس، «المشكلة اليوم (أمس) كانت استثنائية ولا تدخل ضمن نطاق صلاحياتنا، أي الأوتوستراد». ليس بإمكان فريق الوزارة، كما قال، أن يكون خبيراً بأحوال المنطقة أكثر من قاطنيها والبلديات المسؤولة عنها. فيما لم يلقِ المسؤولية على أحد لكون «ما حصل قضاء وقدراً، ويمكن أن يحدث في أي لحظة في أي مكان في العالم، بصرف النظر عن الاستعداد والجاهزية».
وإذ أشار بولس إلى أن المطمر لا يزال في عهدة «سوكلين»، أعلن أنّه سيعود اليوم إلى المنطقة التي تقفّدها، أمس، منذ الصباح، بحثاً عن حل جذري، هذه المرة، يمنع تكرار الطوفان. في بيانها، أكدت وزارة الأشغال العامة أنّ «ورشها وأجهزتها الفنية المولجة أعمال تنظيف مجاري تصريف مياه الأمطار متواجدة على الأرض، وتقوم بالأعمال والأشغال المطلوبة منذ مطلع أيلول، رغم عدم تأمين الاعتمادات اللازمة لذلك».
إلا أن الرئيس السابق لبلدية الناعمة - حارة الناعمة، شربل مطر، سأل: أين نزلت وزارة الأشغال؟ ولتفعل ماذا؟ وليصوّر لنا أحد فرق عملها وليجلب لنا الصور. مطر أعفى البلدية من مسؤوليتها، لكونها حذّرت مراراً، عبر كتب رسمية متكررة لوزارة الأشغال، من ضيق مجاري المياه في منطقة المطمر الصحي، من دون أن تلقى آذاناً صاغية، علماً بأنها قامت بما عليها من تنظيف لمجاري المياه والأنهار. ووزّع مطر المسؤوليات على ثلاث جهات، هي: وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة.
إلقاء اللوم على وزارة الأشغال وضعه مسؤول المكتب الإعلامي في بلدية الشويفات، طارق أبو فخر، في خانة المبالغة «فالتعاون مع الوزارة على الطريق الدولية قائم دائماً ضمن الإمكانات المتاحة». برأي أبو فخر، «ما حصل عندنا فاق قدرة البلدية وفرق الطوارئ المستنفرة، والسبب الأساسي هو أن الشويفات شريان مروري ومنتهى الجبال، وثمة مشكلة في البنى التحتية لجهة المنحدرات العميقة. وأشار إلى أن «الكتل الاسمنتية الآتية من الجبال أقفلت مجاري المياه».
علق الآلاف في سياراتهم ساعات طويلة على الأوتوستراد الساحلي أمس


من جهته، قال وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس إنه مستعد لتحمل كامل المسؤولية، في حال كان ما جرى من مسؤولية وزارة الأشغال. ولفت، في اتصال مع تلفزيون «الجديد» إلى أنه «لم يتم صرف الاعتمادات للأشخاص الذين ينظفون المجاري»!
وكان الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، محمد خير، قد تفقّد موقع تجمّع مياه الأمطار على الأوتوستراد الساحلي في الدامور والناعمة - حارة الناعمة، وأشرف بالتعاون مع بلديات المنطقة وعناصر الدفاع المدني، على إنقاذ المواطنين وسحب وشفط مياه الأمطار التي تجمّعت في وسط الأوتوستراد.
وأكد خير أنه جرى الاتصال والتنسيق مع بلديات المنطقة في الدامور والناعمة والشويفات وقبرشمون، لتحريك جميع آلياتها من أجل معالجة المشكلة وفتح جميع الطرقات.
وحملت الأمطار الأتربة والحصى في العديد من الشوارع، ما أدى الى سيول اجتاحت المحال والمؤسسات التجارية وألحقت بها أضراراً مادية.
وعلى عكس ما كان قد يظنّه البعض، لم ينل المطر من المزروعات. فقد أسعد هطول الأمطار في مختلف المناطق العكارية المزارعين. إلا أن نعمة المطر غالباً ما تتحوّل إلى نقمة بفعل الإهمال والاستهتار، إذ فاضت قناة تسريب مياه الأمطار عند مفترق برقايل في نقطة بين بلدتَي برج العرب ودير دلوم، وحملت المياه كميات كبيرة من النفايات المتراكمة لمسافة طويلة لتقذفها على الطريق الرئيسية وتقتحم المحال التجارية والأراضي الزراعية.