لم تنته قضية توقيع عقد الصيانة والتشغيل بين وزارة الاتصالات وأوجيرو بعد. في هذا الوقت، كان يُفترض أن يكون عقد العام الجاري 2020 قد وُقّع، لكن الواقع أن ملاحظات كثيرة تحول دون توقيع عقد العام الماضي.بعدما وافقت الغرفة السابعة في الديوان (ترأسها القاضية زينب حمّود ويشارك في عضويتها القاضيان عبد الله القتات وسنا كرّوم)، على العقد في 19 كانون الأول الماضي، حوّلته إلى رئيس الديوان لتصديقه وإحالته إلى وزارة الاتصالات. لكن رئيس الديوان القاضي محمد بدران، بعد دراسته الملف، رفض التوقيع عليه، طالباً إعادة النظر فيه. في كتابه، الصادر في 30 كانون الأول، إشارة إلى أن إتمام أعمال الصيانة والتشغيل من دون أي إطار تعاقدي وقبل عرض المعاملة على الرقابة المسبقة للديوان «يشكل مخالفة مالية تستوجب الملاحقة القضائية». وعليه، يقول بدران إن «صرف مستحقات أوجيرو عن أعمال منفّذة فعلياً عن طريق المشروع الرضائي المعروض يقع في غير موقعه القانوني الصحيح ويقتضي بالتالي عدم الموافقة عليه، ويتوجب تنظيم عقد مصالحة يعرض على هيئة الاستشارات والتشريع».
في اليوم الأخير من العام المنصرم، عادت حمّود وأكدت قرارها، رافضة الأخذ بالملاحظات التي استعرضها رئيس الديوان. لكن هذه المرة جاءت الموافقة بدون إجماع، بعدما خالف المستشار في الغرفة، القاضي عبد الله القتات القرار، ووافق على طلب إعادة النظر.
بعد إصرار الغرفة على قرارها، عمد رئيس الديوان إلى توقيعه بحسب الأصول، وكان يُفترض أن يأخذ العقد طريقه إلى التنفيذ فتوقّعه وزارة الاتصالات وتحوّل وزارة المالية الاعتمادات إلى أوجيرو، لكن المدعي العام لدى الديوان القاضي فوزي خميس تدخّل، بعد كتاب ورده من النائب جهاد الصمد، في 2/1/2020، يطلب بموجبه إعادة النظر بالقرار. وبالفعل، عمد خميس في مطالعة قانونية مفصّلة إلى استعراض مكامن الخلل في قرار الغرفة السابعة، فاعتبر أن «تنفيذ أعمال الصيانة والتشغيل وإنفاق المبالغ الواردة في المشروع سلفاً ومن دون الاستحصال مسبقاً على موافقة الديوان تنتفي معه الغاية من الحصول على الموافقة بعدما أصبح مشروع العقد عقداً وأعمالاً منفذة». كما أشار إلى أن اجتهاد الديوان استقر على عدم الموافقة على عقد النفقة في حال تنفيذها كلياً أو جزئياً قبل عرضها على الرقابة المسبقة للديوان.
وفنّد خميس حجة تأخير عرض مشروع العقد على الديوان ربطاً بالتأخير في إقرار الموازنة، مشيراً إلى أن عدم إقرار الموازنات لسنوات طويلة لم يعطّل عمل الديوان في إجراء رقابته المسبقة بعد تأمين الاعتمادات اللازمة لها. كما استند، لتأكيد وجهته، إلى ما ورد في قرار الغرفة لناحية الطلب من الإدارة عرض مشروع عقد العام 2020 على الديوان قبل وضعه موضع التنفيذ.
واعتبر خميس أنه لا يمكن حفظ حقوق الهيئة و«حقوق الغير» المترتبة من جراء «إجراء رقابة مسبقة بشكل لاحق»، لأن من شأن ذلك تعطيل مفهوم الرقابة المسبقة وغاياتها، كما من شأن ذلك إضفاء صفة الرجعية عليها بشكل يؤدي إلى تعطيل منطق المساءلة والمحاسبة وإيجاد الذرائع للإدارة للتفلت من الرقابة المسبقة. ولذلك، وحماية لحقوق الهيئة كما الغير، من جراء تنفيذ أعمال الصيانة التي اقتضتها ضرورة تسيير المرفق العام، فإنه «يمكن تطبيقاً لمبدأ إثراء الإدارة على حساب الغير، توقيع عقود مصالحة في هذا الخصوص وعرضها على هيئة التشريع».
بناءً على كل ما سبق، وانطلاقاً من صلاحيته المستمدة من المادة 43 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، دعا خميس الغرفة المعنية، في طلب إعادة النظر الصادر في 3/1/2020، إلى «اتخاذ القرار المناسب بعدم الموافقة على مشروع العقد المذكور، وذلك حرصاً على المصلحة العامة وحفاظاً على الأموال العمومية».
خميس يدعو «المالية» للتريّث في عقد النفقة


بالتوازي مع كتابه هذا، راسل خميس وزير الاتصالات طالباً منه «التريث في توقيع العقد، وإعطاءه مجراه القانوني إلى حين صدور قرار ديوان المحاسبة في خصوص طلب إعادة النظر بقرار الموافقة على العقد».
عملياً، جُمّد العقد. إذ أدى هذا الاعتراض إلى إنهاء كل محاولات توقيعه قبل نهاية عام 2019. وبالتالي، فإن السنة المالية المتعلقة بمضمونه انتهت. وهذا يعني أن الاعتماد قد سقط أيضاً لأنه ليس معقوداً ولا مدوّراً، على ما يقول مصدر مطّلع على القضية. إعادة تأكيد الغرفة على قرارها، وعدم اقتناع خميس بمبرراتها، يسمح له بتحويل الملف من الرقابة الإدارية إلى الرقابة القضائية. عندها، لن تكون حجة تخفيض قيمة الاعتماد من خلال الموافقة على الأعمال المنفذة والفواتير الصادرة فعلاً كافياً ليبرّر إعطاء «موافقة مسبقة» على عقد نُفّذ بكامله، متضمناً نفقات لا تدخل ضمن نطاق تصريف الأعمال. وبحسب المصدر، فإن التدقيق القضائي سيفرض دراسة كيفية صرف الأموال ومقدار الكسب المّحقّق من قبل الإدارة، وهو ما لا تؤديه الرقابة الإدارية.
هذه القضية أدت إلى تحرك مجموعات من الانتفاضة باتجاه مقر الديوان في القنطاري أمس، بعدما علمت أن اجتماعاً لمجلس الديوان سيُعقد ويتناول القضية. بعد ذلك، عمد بدران إلى استقبال عدد من المعتصمين، شارحاً لهم مسار القضية. وقد أشارت الناشطة نعمت بدر الدين إلى أن الاجتماع تطرق إلى أسباب الإصرار على القرار، حيث شكك أعضاء الوفد بوجود ضغوط سياسية ساهمت في الوصول إلى هذه النتيجة. من جهته، أكد بدران أن قضية أوجيرو لم تنته بعد، وأن الغرفة المعنية ستعاود درس الملف، بناءً على طلب المدعي العام لدى الديوان، معتبراً أن أي قرار لا يصبح نافذاً طالما أنه لا يزال في الديوان.