عادت المواجهات إلى محيط المجلس النيابي وأسواق بيروت أمس، بالرغم من تأليف الحكومة برئاسة حسان دياب، وانقسام المحتجّين حيال الموقف منها. ساعة المواجهة بدأت في وقت باكر عن أيام الاحتجاجات السابقة، إذ بادرت مجموعات إلى محاولة اجتياز العوائق والتحصينات التي عزّزتها القوى الأمنية طوال يوم أمس على مداخل ساحة النجمة. مشهد رشق الحجارة والمفرقعات وقنابل المولوتوف من جهة المحتجّين تكرّر، وقوبل بخراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع. رقعة المواجهات سرعان ما اتّسعت لتصل إلى ساحة الشهداء ومحيط بيت الكتائب في الصيفي، وصولاً إلى مبنى «تاتش» في منطقة مار مخايل.إلى جانب قوى مكافحة الشغب، سُجّل انتشارٌ للجيش اللبناني على مداخل وسط بيروت وتفرّعاته وعمد إلى إخلاء ساحتَي رياض الصلح والشهداء، كما سُجّل تدخّل للقوّة الضاربة في فرع المعلومات التي حاولت «تفريغ» أسواق بيروت ممن عمدوا إلى تحطيم واجهات عدد من المحال التجاريّة. كما نقلت فرق الإسعاف عدداً من الجرحى وعالجت آخرين ميدانياً.
مواجهات نهاية الأسبوع الماضي، التي أوقعت عشرات الجرحى والمصابين في صفوف المحتجّين بالرصاص المطاطي والحجارة وقنابل الغاز المسيل للدموع من جانب القوى الأمنيّة ومكافحة الشغب، لم تدفع المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان إلى التوجّه إلى عائلات الضحايا، وخصوصاً مصابي العيون وبتر الأطراف، إلاّ ببيان أمني تبريري... لكنّه زار دار الفتوى أمس، ليطلع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان «على مجريات الأمور التي حصلت أمام مسجد محمد الأمين، في وسط بيروت مساء يوم السبت الفائت»، مؤكّداً له «أن ما يُشاع عن انتهاك لحرمة المسجد عار من الصحة، والقوى الأمنية لم تدخل إلى داخل المسجد».
خروج الرئيس سعد الحريري من الحكومة، أشار إلى إمكانيّة إعادة التوتّر إلى جمهوره، الأمر الذي بدأ أول من أمس، عبر قطع الطرقات الذي تلا إعلان الحكومة وتجدّد أمس. انتقل التوتّر إلى ساحات وسط البلد، وسط معلومات عن جهات تنقل المحتجّين بالباصات من الشمال والبقاع إلى بيروت، وهو ما نفى تيار المستقبل علاقته به.
غياب الحريري عن التصريح أمس، بعد ما شهده وسط بيروت من «أعمال تخريب على أيدي المرتزقة» كما وصف المحتجّين قبل أيام... حلّ مكانه بيان لعضو كتلة المستقبل النائب نزيه نجم، الذي قال إن «الذي يحصل لا يندرج في إطار ثورة ضد سلطة، فالذي يحدث يندرج في إطار التخريب المتعمد للعاصمة». بدوره، قال الوزير السابق نهاد المشنوق: «مُدان ومرفوض هذا العنف، وتدمير أرزاق الناس في وسط بيروت. الانتفاضة قامت بوجه السلطة وليس لتخريب المدينة على حساب أهلها وتجّارها. هذا سيفتح الباب أكثر وأكثر لمزيد من القمع الفوضوي وإسالة الدماء. ألا يكفي بيروت حرمانها من التمثيل الوزاري المباشر؟». تصريحا نجم والمشنوق تقاطعا مع إعلان «اتحاد العائلات البيروتية» تأييده الانتفاضة، وشجبه في بيان «التعدّي على الممتلكات العامة والخاصة الذي تخلّل الانتفاضة»، ومطالبته الدولة بـ«تحمّل مسؤوليّاتها بالتجاوب مع مطالب الانتفاضة لاستعادة الأمن والاستقرار في البلد وقطع الطريق على المندسّين والمحرّضين الذين يشوّهون صورتها السلميّة».
عثمان الذي برر إطفاء العيون وبتر الأطراف، حرص على توضيح ما جرى في مسجد الأمين للمفتي


مجموعات الانتفاضة وفي الساعات التي سبقت إعلان التشكيلة كانت في حالة الترقّب لإعلان موقفها، إما بمنحها الفرصة للعمل مقابل الإبقاء على ضغط الشارع أو الاستمرار في مواجهتها تحت عنوان «لا ثقة» حتى إسقاطها. غير أن ما استجدّ في الشارع أمس، دفع بالعديد من المجموعات إلى الانسحاب بعد بدء المواجهات. الأمر الذي حصل مع الذين شاركوا في المسيرة الاحتجاجيّة (حدّد موعدها قبل تشكيل الحكومة) التي انطلقت بأعداد أقل من سابقاتها بعنوان «مكفّايين»، مساء أمس، من أمام مصرف لبنان مروراً بجمعيّة المصارف وصولاً إلى رياض الصلح، بينها «مجموعة شباب المصرف» وأعضاء من الحركة الشبابيّة للتغيير وقطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني والتجمّع الشبابي المدني واتحاد الشباب الديمقراطي وآخرون. لدى وصول المسيرة إلى رياض الصلح ألقت مجموعة شباب المصرف بياناً قالت فيه: «سنكمل تواجدنا في الساحات حيث يلزم، على الرغم من تشكيل الحكومة، وذلك لمواصلة الضغط الشعبي المطلوب، الذي لن يتوقف حتى تحصيل كامل الحقوق وتحقيق الأهداف».