بعد إنجاز عملية التسلّم والتسليم في أكثر من وزارة، حان وقت البيان الوزاري. ذلك بيان لزوم ما لا يلزم اعتادت الحكومات المتعاقبة على تضمينه الكثير من الوعود التي لا تتحقق. بيان حكومة الرئيس سعد الحريري مثال على ذلك. يكفي أن نتذكر أنها كانت «حكومة القرارات الجريئة والإصلاحات التي لا مجال للتهرب منها بعد اليوم، حكومة تتصدى لأسباب الخلل الاداري والفساد المالي والتهرب الضريبي، حكومة تخاطب معاناة اللبنانيين وتطلعات الشباب والشابات للمستقبل وتضع في أولوياتها الاستقرار السياسي والأمني والأمان الإجتماعي لكل المواطنين».كانت النتيجة أن الشباب والشابات في أعلى نسبة بطالة عرفها لبنان، وأن الشباب والشابات ينتفضون منذ 100 يوم ضد السياسات التي أوصلت البلد إلى الإفلاس، فلا الفساد كوفح ولا الإصلاح أنجز ولا القرارات الجريئة اتخذت. وطبعاً انهار الاستقرار النقدي والمالي الذي وعدت الحكومة بالمحافظة عليه. ما حصل كان المحافظة على عدة الشغل نفسها: محاصصة في التلزيمات والتوظيف وسرقة المال العام.
المهمة أصعب اليوم. لم يعد ممكناً حشو البيان الوزاري بأبيات الشعر والنثر. كل كلمة ستكتب يجب أن تكون الحكومة قادرة على تنفيذها. أي أمر آخر يجعلها جسر العبور إلى الإفلاس.
المهمة واضحة هذه المرة. ومجلس الوزراء الذي يعقد جلسة اليوم لمناقشة مسودة البيان الوزاري، سيكون مدعواً للإسراع في إنجاز البيان، تمهيداً ليمثل أمام مجلس النواب الأسبوع المقبل، قبل الانكباب على العمل، أو محاولة العمل.
أول المطبات تخطته الحكومة. الدعم الداخلي حصلت عليه كما الدعم الدولي. بعد موقف وليد جنبلاط الداعي لإعطاء الحكومة الفرصة لتعمل، لاقاه الحريري في الاتجاه نفسه. فقال إنه «من السابق لأوانه إطلاق الأحكام بشأنها، مع ملاحظة أن تشكيلها كان خطوة مطلوبة سبق أن شدّدنا عليها لضرورات دستورية وعملية ومن الطبيعي أن نراقب عملها ونتابع توجهاتها آخذين في الاعتبار حاجة البلاد إلى فرصة لالتقاط الأنفاس». المهادنة للحكومة لم تنعكس مهادنة لأطرافها. وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، قالت أمس إن من الصعب أن يتعايش الحريري مع رئيس الجمهورية وجبران باسيل بعد اليوم. قالت إن باسيل هو أكثر من خرّب عليه، وبعده «القوات» ثم «الاشتراكي» فحزب الله. لا شك أن المعارضة ستكون حاضرة ومتأهبة، لكن ذلك لم يمنع أكبر أقطابها من إعطائها الفرصة لتعمل.
لن يحتوي البيان الوزاري على مفاجآت، كما لن يفرق عن الذي سبقه. تعديلات بسيطة تتناسب مع المرحلة، ومنها: تكريس انتفاضة 17 تشرين بوصفها علة وجود هذه الحكومة، أو كالسعي إلى العودة إلى تحقيق الاستقرار المالي بدلاً من المحافظة عليه، أو إلى تنفيذ سياسات اقتصادية «تسترشد» بدراسة «ماكنزي» بعد «إعادة دراستها من قبل خبراء مختصين، بناءً على التطورات الأخيرة في البلاد». وفي مسودة البيان حديث عن السعي إلى تمويل الدولة بلا استدانة»، ودعم إعادة إحياء القطاع الخاص، وخاصة القطاعات الصناعية التنافسية. وستدرس الحكومة إمكان أن تدرج في بيانها الوزاري ضرورة اتخاذ «قرارات موجعة لإنقاذ الاقتصاد الوطني»، و«دراسة إمكانية الخروج من الازمة من دون الحاجة الى الخارج، وأي طلب لدعم خارجي سيأخذ في عين الاعتبار الحفاظ على الكرامة الوطنية». كذلك يرد في مسودة البيان الوزاري بند عن «الحق في السكن والعمل لوضع خطة اسكانية شاملة». المقاومة حاضرة كما في صيغة البيان السابق، الذي يؤكد «حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
تصف الحكومة نفسها بأنها إصلاحية تريد مكافحة الفساد، واعدة بالابتعاد عن الصراعات الخارجية، وبتنفيذ سياسات تحظى بثقة اللبنانيين كما المجتمع الدولي. لكن هذه تتضارب مع تلك. اللبنانيون يريدون وظائف واقتصاداً معافى، وخبزاً ومحروقات وكهرباء ومياه ومستوى أدنى من الذل على أبواب المستشفيات وفي الطرقات، فيما المجتمع الدولي يريد فرض برامجه المعدّة سلفاً. آخر المواقف الدولية جاء من «مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان» (الأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية)، التي دعت جميع الأطراف اللبنانية إلى «تطبيق سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن النزاعات الخارجية». كما كررت الدعوة إلى «نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان». في الاقتصاد، دعت «المجموعة» الحكومة اللبنانية إلى الإسراع في اعتماد تدابير وإصلاحات جذرية وذات مصداقية تلبّي طلبات الشعب، ولا سيما تنفيذ خطة إصلاح الكهرباء، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، وإقرار وتطبيق قوانين فعالة للمشتريات الحكومية. كما حثّت السلطات على «مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، ودعم استقلالية القضاء، مؤكدة على «ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحماية حق التظاهر السلمي».
مجموعة دعم لبنان: النأي بالنفس والإصلاح


الشعب سبق أن سمع الرئيس السابق للحكومة يقول إن «الفرصة متاحة لمشروع نهوض اقتصادي واجتماعي وخدماتي واستثماري واعد». هؤلاء عايشوا النتيجة وهم حكماً لم يعودوا قادرين على سماع المزيد من الوعود الفارغة.
«الوفاء للقاومة»: لن نُجامل
في اجتماعها الاسبوعي، أكدت كتلة الوفاء للمقاومة على «أهمية أن يركز البيان الوزاري على الضروري الملح من المسائل والمواقف مع ايلاء الاهتمام الخاص بمنهجية المعالجة للأزمة النقدية والمالية والاقتصادية التي يرزح تحت أعبائها المواطنون في هذه المرحلة».
ولفتت إلى «أهمية تحقيق الاصلاحات واسترداد الاموال المنهوبة واعتبار مكافحة الفساد شأنا دائما من شؤونها واهتماماتها». وأكدت على ضرورة أن يجد اللبنانيون ترجمة ذلك في القضاء والامن وفي تحسين وضع الادارة والمالية العامة والتلزيمات والتعهدات والشؤون العقارية والتجارية والمبادرة الى المحاسبة على مختلف المستويات».
وبما يشبه التحذير من التماهي مع السياسات الغربية، تعهدت الكتلة «في الشأن السيادي الوطني ألا تجامل أحدا او تتسامح في مساءلته ومحاسبته ازاء أي أمر يمس بسيادتنا الوطنية وحقنا في استثمار مواردنا وادارة شؤون ثرواتنا». وقالت إن «العلاقات الدولية محكومة لسقف سيادتنا الوطنية ولمدى التزام الدول بهذه السيادة واحترامها».