كيف يمكن وصف ما يحصل؟ كيف يمكن قول ما يجب أن يقال في هذه اللحظات؟ وكيف يمكن مداراة الكلام واللعب على الألفاظ ومراعاة هذا أو ذاك؟ وكيف يمكن فوق كل ذلك، تحمل هذا القدر الكبير من النزق؟ نزق لا يتصل بسلوكيات فردية، بل بعقلية لا تريد أن تتغير. بعقلية تقول لكل الآخرين: روحوا بلّطوا البحر!منذ الانتخابات البلدية الأخيرة، ثم الانتخابات النيابية، ثم المؤتمرات الحزبية الداخلية، يرفض قادة حركة أمل الإقرار بأن شيئاً تغيّر في المزاج العام. ليس المزاج العام في البلاد، بل المزاج العام في البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها الحركة. يحق لنبيه بري أن يغضب لأن البعض مزق صوره في بعض مناطق الجنوب. لكن، هل حاول الحصول على إجابة من الذين مزقوا الصور؟ أم سيظل أسير رواية عن «اليساريين الحاقدين» أو «بقايا الإقطاع الأسعدي» أو.. أو.. أو؟
ما حصل أمس في منطقة الجناح في بيروت، قرب مكاتب مجلس الجنوب، لن يكون له حساب. لن تخرج مؤسسة رسمية أو قضائية أو أمنية أو حزبية أو شعبية تحاسب من قام بهذا العمل الجبان. هذا العمل المقزز، الذي لا يصدر إلا عن أشخاص يموتون رعباً في داخلهم، حتى ولو ارتفع صوتهم الى أعلى من صوت المآذن. ما حصل أمس هو تعبير عن رغبة شديدة وعميقة بعدم الإقرار بضرورة التغيير. وهنا أصل المشكلة.
المسألة هنا لا تتعلق بمن كانوا في المسيرة، ولا بما يجري من أحداث باسم انتفاضة الشعب المقهور. ولا حتى في أهليّة القوى المنتفضة على تقديم بديل مقنع للناس، وهي، بغالبيتها، ليست مؤهلة لذلك. والمسألة هنا لا تتعلق حصراً بالكرامة الفردية أو الشخصية، ولا بالحريات التي تحتاج الى منظومة متكاملة حتى تصير حقيقة.
لن ينتظر أحد بيانات أو إدانات أو تعاطفاً من هذا أو ذاك. ولن ينتظر أحد نتائج من قوى الأمن أو القضاء أو الجيش أو مخفر الحي. ولن تخرج غداً الجماهير معلنة المعركة الفاصلة في الشوارع والأزقة. لكن ما يجب الالتفات إليه، هو ببساطة، القيمة الأخلاقية عند البشر.
لطالما كان نبيه بري الأشطر بين السياسيين. لكن، يبدو أن شيئاً ما يحصل من حوله. شيء يصعب عليه الإقرار به. قد تكون كلفة إصلاحه كبيرة جداً عليه شخصياً وعلى فريق عمله. لكنه سيكون مضطراً، غصباً لا طوعاً، الى أن يختار بين المكابرة والذهاب نحو الفوضى المجنونة، وبين العودة قليلاً الى الخلف، ودرس استراتيجية الخروج من هذا المأزق، وعلى قاعدة: لو دامت لغيرك لما اتّصلت إليك!