لم يتأخّر لبنان الرسمي في تحديد موقفه من «صفقة القرن»، وهو الذي لا تنقُصه أزمة فوق أزماته المُتعدّدة سياسياً ومالياً ونقدياً واقتصادياً واجتماعياً، وخاصةً أن الإعلان رسمياً عن هذه الصفقة أكّد بأن لبنان واحد مِن البلدان المُستهدفة، وفي قلب هذا الحدث، ليس بسبب الموقف المبدئي من القضية الفلسطينة وحسب، بل نظراً أيضاً إلى ما يحمله هذا المشروع من مخاطر على الواقع اللبناني، إضافة الى العامل الفلسطيني المتمثّل باللاجئين. صحيح أن ما تضمّنه الإعلان ــــ وخاصة في الشقّ اللبناني ــــ لم يكُن مفاجئاً، غيرَ أنه لا بدّ وأن يفرض على لبنان إعادة ترتيت الأولويات، إذ ليسَ مُصادفة تزامنه مع معاناة الاقتصاد، والعجز الكبير في الميزانية وتراجع تدفق الأموال من الخارج، والعقوبات الأميركية، والأزمة النقدية التي ظهرت على شكل تغيّر في سعر الصرف بعد 21 عاماً على ثباته، وانعكاسه على كلفة المعيشة، وغيرها من الإشكالات التي يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تريد القول إن حلّها صار مرهوناً بالضوء الأخضر اللبناني لمتطلبات الصفقة، مقابل ستّة مليارات دولار ومشاريع استثمار وفق ما كشفته الخطّة، ما يطرح مخاوف من ضغوط إضافية يتعرّض لها لبنان للقبول. أمس، سارعت الرئاسات الثلاث الى إطلاق بيانات تعبّر عن الموقف الرسمي الرافض للصفقة، إذ اتصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بنظيره الفلسطيني محمود عباس، معرباً عن «تضامن لبنان رئيساً وشعباً مع الفلسطينيين في مواجهة التطورات التي نشأت عما بات يعرف بصفقة القرن». وأكد عون أن «لبنان متمسك بالمبادرة العربية للسلام التي أقرت في قمة بيروت عام 2002، وخصوصاً لجهة حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس». من جهته، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تلقّى اتصالاً من رئيس مجلس الشورى الإيراني الدكتور علي لاريجاني، تناولا فيه الموقف من صفقة القرن والمؤامرة على فلسطين، أن «صفقة القرن تجهض آخر ما تبقى من الحلم الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي رشوة لبيع الحقوق والسيادة والكرامة والأرض العربية الفلسطينية بمال عربي». وأكد في بيان صادِر عن مكتبه الإعلامي أن «لبنان واللبنانيين لن يكونوا شهود زور في حفلة الإعدام الجديدة للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة، وفي مقدمها حق العودة، ولن يقبل تحت أي ظرف أن يكون شريكاً ببيع أو مقايضة أي من هذه الحقوق بثلاثين من الفضة». بينما اكتفى رئيس الحكومة حسّان دياب بتغريدة له على «تويتر» كاتباً: «ستبقى القدس هي البوصلة وستبقى فلسطين هي القضية».بدوره، أكد وزير الخارجية ناصيف حتّي أن الموقف اللبناني من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط يستند إلى القمة العربية عام 2002 ويدعو إلى تحقيق سلام عادل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقال حتّي لـ«سكاي نيوز»: «سنبحث في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة السبت المقبل سبل إحياء نتائج قمة 2002 العربية». وأضاف: «لن تنجح أي محاولة لتحقيق سلام جزئي لا يضمن قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية»، لافتاً إلى أن «لا أحد يتخلى عن الهوية الوطنية مقابل إغراءات مادية». من جانبه، اعتبر رئيس الحكومة السابق سليم الحص أن «ما أقدم عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب «مشهد مهين للشرعية الدولية».
الحص: «إن ضاعت فلسطين ضاعت الأمة العربية»

وشدد في تصريح له، على أن ترامب «ضرب عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة، معلناً عما يسمى بصفقة القرن للسلام بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي وكأن السلام بحاجة إلى صفقة». وفيما أكد أن «بعض العرب خذلنا بحضور ذاك الإعلان عن الصفقة المقيتة»، نتوجّه إلى الفلسطينيين بالقول «اجعلوا من الدماء التي سالت لأجل فلسطين ومن أرواح الشهداء التي قدمت فداء لها مشعلاً يضيء درب انتفاضة مجيدة ضد العدو الإسرائيلي». وإلى الشعوب العربية قال «إن ضاعت القدس ضاعت كل فلسطين، وإن ضاعت فلسطين ضاعت الأمة العربية وضاع معها تاريخها وعزتها وكرامتها». هذه التطورات تأتي على إيقاع البيان الوزاري الذي لا يزال قيد البحث في اللجنة الوزارية، التي قالت مصادرها أنه «يحتاج الى المزيد من النقاش، ومن المفترض أن يكون جاهزاً نهاية الأسبوع». وفيما يتحفظّ الوزراء عن الحديث في تفاصيل البيان، أكد أكثر من مصدر وزاري أن الشق السياسي سيكون نسخة مكررة عن البيان الماضي، فيما التعديلات تطاول الشق الاقتصادي الذي «سيتضمن جزءاً من الخطة الاقتصادية للحكومة السابقة، وخطة ماكينزي، مع وضع خطط للوزارات محددة بمئة يوم». وهذا البحث ترافق أمس مع ورشة عمل اقتصادية ــــ مالية أطلقها رئيس الحكومة، شملت لقاءات مع الوزراء المختصين بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، قبل عقد اجتماع مع وفد من البنك الدولي. وقد استهلّها دياب بتأكيده «أن الوضع لا يحتمل نظريات وتجارب، ولذلك يجب أن تكون لدينا رؤية علمية وواقعية»، موضحاً أن هذا الواقع دفعه إلى طلب «إعداد خطة بهدف استعادة الحدّ الأدنى من الثقة التي هي حجر الزاوية في معالجة الأزمة، معتبراً أن «الصورة السوداوية التي نسمعها غير صحيحة أو غير دقيقة»!