إذاً، حسمت القوات خيارها في «الانتفاض» من داخل جدران ساحة النجمة، وفي انتظارها أعمال الحكومة لتحدد موقفها منها: «إذا نجحت في معالجة الوضع المالي سنصفق لها وإذا لم تنجح، تتحمل الأكثرية النيابية مسؤولية الانهيار». وبين هذا وذاك، مشروع القوات السياسي معلّق الى أجل غير محدّد. ففعلياً، لا تأثير سياسياً لمعراب اليوم في المعادلة القائمة، وانتهى زمن مراقبة وزراء التيار الوطني الحر للانقضاض عليهم. ولو أن حرب «الشائعات» التي ينشرها موقع القوات اللبنانية عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بدأت لتوّها. وهي جاءت استكمالاً لعمل نواب ووزراء القوات في الحكومة السابقة الذين تفرغوا لإسقاط باسيل شعبياً، ولكنهم أسقطوا وزاراتهم من الرقابة والحسبان، إذ يصعب الوقوع على إنجاز واحد يلامس الشعب في وزارات تُعنى بالناس مباشرة كوزارة الشؤون الاجتماعية التي شغلها القواتيون لولايتين، ووزارة العمل. وهو ما يرد عليه جبور بتأكيد أن «الخطة غير المسبوقة في وزارة العمل والشغل جبار في كل الوزارات. لكن الوزير أيضاً مسؤول عن كل جدول الأعمال ولا يمكننا التفرج على أكبر عملية لهدر الأموال في ملف الكهرباء». ما هي خطة معراب بعد نيل الحكومة الثقة؟ «الضغط باتجاه الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة والعمل ضمن التكتل السياسي لإنقاذ لبنان من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة» يقول جبور. لكن التعويل على انتخابات نيابية مبكرة بمثابة تسلية في الوقت الضائع في ظل عدم التوافق على الأمر أولاً ولا على القانون الانتخابي ثانياً. إلا أن للقوات رأياً آخر، يقضي باعتماد القانون الحالي وهو ما لا يتوافق مع رأي الأغلبية في الشارع الراغبة بقانون نسبي من خارج القيد الطائفي.
لم «يطبش» ميزان ربح القوات بعد استقالة وزرائها ومحاولتها الانضمام إلى الانتفاضة
للمرة الأولى في السنوات العشر الأخيرة، تقف القوات إلى جانب الكتائب: لا سلطة ولا معارضة حقيقية. رغم محاولة الكتائب فرض نفسها على الانتفاضة بالقوة ومن كل نافذة متوفرة وصولاً الى تعليق عضوية النواب من دون الاستقالة، يتخبط الحزبان اليوم في الفوضى نفسها، ولو أن الفارق بين رئيسي الحزبين كبير جداً. ففي وقت لا تزال أبواب السعودية مفتوحة حصراً لجعجع أكان مالياً أم معنوياً، لا يحظى آل الجميل بالترف نفسه. في الأسبوعين الأخيرين، زار الوزير القواتي السابق ملحم رياشي الرياض مرتين للقاء المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا. يقلل القواتيون من أهمية اللقاء واضعينه في إطار «الحفاظ على العلاقات الخارجية»، فيما يشير جبور إلى أن الحديث عن تمويل السعودية لمعراب مجرد شائعات، وزيارة رياشي «أمر روتيني ونوع من استطلاع المواقف الخارجية حول الحكومة ومدى استعداد الخارج لمدّ لبنان بمساعدات مالية». ما يطرح سؤالاً حول خصّ الرياض وحدها بهذا «الاستطلاع» دون غيرها من البلدان وحول ما كانت لتفعله القوات لو زار أحد القياديين الحزبيين طهران لمعرفة رأيها بحكومة لبنان. أميركياً، تقول المصادر إن القوات خارج اهتمام أي مسؤول في الإدارة، ولو أنها تعمل للتسويق أخيراً في واشنطن بأن «الجيش اللبناني أيضاً رهينة لحزب الله». ربما يتعلق الأمر بخوف جعجع من ارتفاع أسهم قائد الجيش في الولايات المتحدة الأميركية وارتداداته على انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة.