تستعدّ اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت لإطلاق مناقصة لتشغيل محطة الحاويات في المرفأ (أي محطة نقل الحاويات من السفن وإليها، وترتيبها داخل المرفأ)، أحد أهم المرافق البحرية في لبنان. اتفاق التشغيل الذي عقد مع شركة BCTC عام 2004، انتهى في كانون الثاني الماضي، ودفتر الشروط الجديد أٌنجِز من قبل شركة ألمانية بطلب من وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس واللجنة. المطّلعون على الملف يُشيرون إلى أن «خمس شركات اشترت الدفتر»، لكنْ هناك تخوف «من عزوف بعضها عن التقدّم بعروض بسبب تراجع حركة المرفأ بنسبة 65 في المئة في الشهر الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي 2019، إضافة إلى واقِع البلد المالي والاقتصادي». ومن المقرر أن تزور هذه الشركات المرفأ يومَ الخميس أو الجمعة وتعقد لقاءً مشتركاً مع إدارته.دفتر الشروط الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، ركائزه عامة، ولا إضافات جوهرية طرأت عليه مُقارنة مع دفتر الشروط الذي اعتمد قبل 15 عاماً، باستثناء فقرة تتعلّق بعملية «الانتقال السلِس» وضوابطها بين الشركة القديمة والشركة الجديدة التي ستفوز بالعقد. المنافسة محصورة حتى الآن بينَ الشركة الحالية التي يرأس مجلس إدارتها عمار كنعان، وشركةcma» cgm» (رئيسها التنفيذي رودولف سعادة ومقرها الرئيسي في مدينة «مارسيليا» في فرنسا). الأخيرة سبقَ أن تقدّمت الى مناقصة التشغيل منذ خمسة عشر عاماً ولم تفُز بها، لكنها بحسب عاملين في المرفأ تملك نحو 30 في المئة من الشركة المشغلة لمحطة حاويات مرفأ طرابلس، بالتعاون مع شركة «Gulftainer » (يُفترض أن تتقدّم بعرض منفصِل). ويتردّد أن إحدى شركات مجموعة ميقاتي شريكة في «غالفتاينر»، وأن للرئيس السابق نجيب ميقاتي دوراً في تسهيل دخول «cma cgm» الى المرفأ الشمالي بعد خسارتها المناقصة في بيروت. فيما تداولت معلومات عن منافس رابِع هو شركة «china merchants port» المعروفة كأحد التكتلات الرئيسية التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، وتشارك في مجموعة من الأعمال التجارية مثل عمليات الموانئ ونقل البضائع وحاويات البضائع وأعمال الشحن. إضافة إلى شركة خامسة تدعى «mak»، يرجّح أنها تعود لرجل الأعمال اللبناني إسكندر صفا! وتقول بعض المعلومات إن شركة «Hutchison Port Holdings»، وهي شركة قابضة خاصة تأسست في جزر العذراء البريطانية، ومقرها الرئيسي هونغ كونغ، تراجعت عن نية التقدم الى المناقصة، بعدما تسلّمت عملاً في مرفأ في باكستان، وذلك نتيجة صعوبة تحويل الأموال من لبنان الى الخارج وتراجع عمل المرفأ في بيروت بسبب الأزمة الاقتصادية.
قبل استقالة الرئيس سعد الحريري، عرض فنيانوس موضوع انتهاء العقد مع شركة «bctc»، وفتُح النقاش في مجلس الوزراء بين جهة ــــ على رأسها التيار الوطني الحر ــــ أيدت إجراء مناقصة لاختيار شركة خلفاً لـ BCTC، بينما الحريري وفريقه في الحكومة طلبا التريث إلى حين تحديد الهوية القانونية لإدارة المرفأ. يومها، وضع فنيانوس أمام مجلس الوزراء ثلاثة خيارات: إما تحويل إدارة المرفأ من لجنة مؤقتة إلى مؤسسة عامة، أو اعتماد الشراكة بين القطاع العام والخاص، أو الخصخصة. لكن اندلاع الحراك في شهر تشرين الأول الماضي واستقالة الحكومة حالا دون بتّ الأمر، فما كان من إدارة المرفأ إلا أن وضعت دفتر الشروط تمهيداً لإطلاق مناقصة، بسبب انتهاء مدة العقد مع الشركة المُشغّلة حالياً.
أبقى دفتر الشروط على مدّة العقد 15 عاماً لأي شركة جديدة، لكنه زاد من عدد الحاويات النمطية التي تشغلها في مجموع المرافئ المُدارة من قبلها، الى 3 ملايين حاوية. وينصّ الدفتر على أن أمن المحطة هو من مسؤولية الشركة التي يجب أن تدفع كفالة بقيمة 5 ملايين دولار، صالحة كل مدة العقد، وتأميناً بقيمة 100 مليون دولار للمعدات، وخمسين مليون دولار للبنى التحتية. أما في ما خصّ عملية التشغيل، فالسنة الأولى من الـ 15 عاماً ستكون بمثابة عملية تسليم وتسلّم بين الشركة القديمة والشركة الجديدة، ويتوجّب على الشركة التي ستفوز بالمناقصة توقيع عقود للعاملين الحاليين (عددهم حوالى 600 موظف) مدة عام، لضمان استمرارية العمل، على أن تقرر بعدها التجديد لهم أو صرفهم. وبالحديث عن نظام التشغيل، يفرض «الدفتر» تحديث النظام المعتمد من قبل الشركة التي يجِب أن تتعهّد بمدخول سنوي لا يقل عن 100 مليون دولار، كضمانة لاحتفاظها بالعقد، مع تدقيق حساب سنوي تجريه الشركة وتطلع عليه إدارة المرفأ، بانتظار الأسعار التي ستتقدم بها الشركات في ما يتعلّق بنسبة أرباح الدولة (ممثلة باللجنة) من العائدات الإجمالية، والتي كانت سابقاً مقسمة بين 61 في المئة للمرفأ مقابل 39 للشركة المُشغلة.
أبقى دفتر الشروط على مدّة العقد 15 عاماً لأيّ شركة جديدة


دفتر الشروط الحالي كما هو مُعدّ، كانَ محطّ انتقاد بعض الجهات كونه صدرَ باللغة الأجنبية من دون نسخة عربية «فكيف يُمكن إغفال هذا الأمر في ظل التشديد على وجود مساهم لبناني في الشركة»؟ تتساءل المصادر، معتبرة أن «دفتر الشروط يجِب أن يُنشر للعلن كي يتمكّن جميع اللبنانيين من الاطلاع عليه من باب حق الوصول الى المعلومات». حتى البند الموجود في العقد ويفرض على الشركة العالمية أن يملك ثلث أسهمها رجل أعمال لبناني كانَ محط انتقاد أيضاً، لأن من شأن هذا الشرط أن يعيد الشركة المشغلة حالياً لتستمر في إدارة محطة الحاويات إما مباشرة أو عبر ائتلاف لشركات تابعة لها، أو في أحسن الأحوال إعطاء الفرصة لشركتين جديدتين كحدّ أقصى، أي أن المنافسة ستكون محدودة. هذه النقطة سرعان ما أجابت عنها مصادر في المرفأ أكدت أن المادة 78 من قانون التجارة اللبناني تنصّ على أنه «يجب أن يكون ثلث رأسمال الشركات المغفلة التي يكون موضوعها استثمار مصلحة عامة أو مرفق عام أسهماً اسمية لمساهمين لبنانيين طبيعيين أو لشركات يتكون رأسمالها من حصص أو اسهم اسمية عائدة ملكيتها بالكامل لأشخاص لبنانيين ويحظر نظامها التفرغ عن الحصص أو الأسهم فيها إلا لأشخاص لبنانيين». وتدافع الشركة الحالية عن نفسها عبر القول إنها «مكّنت المرفأ من التعامل مع أكثر من 1.3 مليون حاوية نمطية سنوياً، فيما كانت حركته لا تتجاوز الـ 300 ألف حاوية نمطية قبل تشغيل هذه المحطة، وكانت التوقعات لحظة فوزها بمناقصة التشغيل بأن لا يزيد العدد على 400 إلى خمسمئة حاوية نمطية».



اللجنة المؤقّتة... دائمة
انتهت مدّة الامتياز الممنوح لشركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت مطلع التسعينيات، ما جعل الحكومة تعهد إلى لجنة مؤقتة لإدارة المرفأ عُرفت باسم «اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت». وكلّف مجلس الوزراء هذه اللجنة، بإشراف وزير الأشغال والنقل، بمهمة متابعة إدارة واستثمار المرفأ «وفقاً لأصول الاستثمار والأنظمة التي كانت تتبعها وتطبّقها، وممارسة ذات الصلاحيات التي كان يتمتّع بها مجلس إدارة الشركة المنتهية مدّتها. منذ عام 1993 وحتى يومنا هذا، تعاقبت أربع لجان مؤقتة على إدارة واستثمار مرفأ بيروت؛ آخرها تمارس عملها برئاسة حسن قريطم منذ عام 2001.