لم يحضر رياض سلامة إلى اجتماع لجنة المال والموازنة. انتقل إلى فرنسا في رحلة خاصة. أوكل المهمة إلى رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، الذي حضر إلى جانبه وفد من جمعية المصارف برئاسة سليم صفير. هؤلاء كرروا الكلام نفسه: المصارف هي لبنان ووجهه المنتشر في 33 بلداً. حذّروا من «ضرب القطاع» ومن «تعريض سمعة لبنان للخطر»، وتناسوا أن من حافظ على المصارف هم المودعون الذين ينكّل بهم اليوم. لكنهم مع ذلك أيقنوا بأن الدفع للدائنين صار مستبعداً، وأن الخيار الأول هو إعادة الهيكلة للديون وللمصارف على السواء. ولذلك دعوا، كما فعلوا عند لقائهم رئيس الجمهورية، أمس، إلى أن يكون هذا الحل منظّماً وغير صدامي، و«خاصة أنّ الصناديق الاستثمارية في الخارج أبدت جهوزية للتفاوض».هؤلاء سمعوا في جلسة لجنة المال أكثر من نائب يسأل عن تبديد أموال المودعين. وسمعوا أيضاً دعوة إلى أن يساعدوا أنفسهم قبل أن يطلبوا المساعدة. قيل لهم إن الحريص على سمعته لا يلجأ إلى الإجراءات المشبوهة، كبيع سندات اليوروبوندز إلى الخارج وتهريب أموال المساهمين في فترة حرجة، وعدم الالتزام بتخفيض الفوائد على القروض بشكل متواز مع تخفيضها على الودائع.
الصورة المهشّمة صار يصعب إصلاحها. وهي في الأساس لم تكن على أجندة من حضر من النواب. الأولوية كانت لكيفية التعامل مع استحقاق اليوروبوندز. وقد استمعوا جميعاً لعرض قدّمه وزير المال غازي وزني، الذي يشارك للمرة الأولى في اجتماع اللجنة، عن الخيارات المطروحة عامة، أي الدفع أو عدم الدفع. تطرق إلى المفاوضات التي تجرى مع الصناديق المالية. ركز على «أشمور» (الصندوق الاستثماري الذي يملك 25 في المئة من سندات اليوروبوندز الخاصة بإصدار آذار) الذي طالب بدفع استحقاق آذار، على أن يُوافق على تأخير الاستحقاق الذي يليه. ذلك أمر لا يمكن الموافقة عليه. فإن كان التوقف عن الدفع سيأتي عاجلاً أو آجلاً، فمن الأفضل الحفاظ على الاحتياطي المتبقي. وهذا يصح أيضاً على الاستحقاق السابق الذي دُفع، والذي أهدر ما يصل إلى 1.5 مليار دولار من الاحتياطي. تلك خسارة لن يكون بالإمكان تعويضها، لكن يمكن البدء من استحقاق آذار. في الأساس قال وزني إن لبنان تأخر 3 إلى 4 أشهر في التعامل مع الأزمة. ما لم يقله إنه لو عمدت الحكومة السابقة إلى القيام بواجبها، والبدء بإجراءات التفاوض مع الدائنين، لكان الوقت سانحاً أكثر ولكان التفاوض أجدى. لكن تلك الحكومة أهدرت وقتاً ثميناً بطريقة مشبوهة، تارة بسبب الحرد السياسي وطوراً بسبب الافتقار إلى الخبرة.
بالنتيجة، ستبدأ الحكومة اليوم بإعداد خطة المواجهة. أول الغيث التعاقد مع المستشارين الدوليين، ماليين وقانونيين، تمهيداً للتفاوض الرسمي. وقد أشار النائب ابراهيم كنعان بعد الجلسة إلى أن «موضوع إعادة الهيكلة لا يختلف عليه أحد، ولكن دونه خطط يُعمل عليها، والمطلوب أن يكون بأفضل وضع ممكن».
وأشار إلى أنه «تبيّن لنا أن أداء وزير المال والفريق المعاون يقدّر». وقال «لدينا استحقاقات بدين إجمالي يبلغ 30 مليار دولار، مقسّم بين المصارف وصناديق الاستثمار، وهناك مسؤولية كبيرة، لأنه في ظل التفاوض الحاصل والمسارات، فالحلول يجب أن تحظى بموافقة هؤلاء، داخلياً وخارجياً وفقاً لمعدلات ونسب، لتتمكن الحلول من أخذ مسارها إلى الاعتماد والتطبيق».
وذكّر كنعان «ببعض المبادئ والأولويات، ومنها أن أي تعديل لقانون النقد والتسليف يجب أن يأتي الى المجلس النيابي ويقرّ على أساس قانون، ولا يحصل بمجرد قرار صادر عن المصارف أو أشخاص، والمعايير الواضحة توضع بقوانين، ويجب الأخذ بالاعتبار ما هو مرتبط باعتمادات للصحة والدواء وتحويلات أخرى».
وعما يطالب به صندوق النقد الدولي، أشار كنعان الى أن «كثيراً من الكلام حول إجراءات مطلوبة من صندوق النقد الدولي من لبنان غير مطروح حالياً، ولا سيما أن التفاوض الرسمي لم يبدأ بعد، وزيارة وفد الصندوق استطلاعية وستستكمل في المرحلة المقبلة» (رفض وفد الصندوق في اللقاءات التي عقدها إعطاء أي رأي في الإجراءات التي يجب اتّباعها، داعياً الحكومة إلى وضع خطة على أن يضع ملاحظاته عليها. وقد وصف هذا التصرف بالطبيعي كون لا شيء لدى الصندوق اسمه مساعدة تقنية، بل أولويته للتدخل هي أن يضع برنامجاً بنفسه).
وأكد كنعان أنّ «هناك حرصاً من قبلنا ومن قبل الحكومة بشخص وزير المال على أن الحفاظ على ودائع اللبنانيين أولوية في أي خطة مطروحة».