لا يكترث رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ولا أعضاء المجلس، للدستور اللبناني. يخشون حصراً أهل السياسة ورجال الدين. رئيس وأعضاء المجلس الأعلى في أقوى سلطة في الدولة، أو هكذا يُفترض بها أن تكون، يُقيمون اعتباراً لمشاعر المتنازعين على تقاسم الحصص الطائفية من دون التفاتٍ إلى انعكاسات ذلك على الجسم القضائي. لا يشغل بالهم تعيين الأكفأ لمركز قد يتطلّب معايير علمية عالية، إنما طائفة المطلوب تعيينه. فلإرضاء المطران الياس عودة سيحرص المجلس على اختيار قاضٍ أرثوذكسي لشغل مركز المدّعي العام لبيروت. الأمر نفسه يتكرر مع البطريرك بشارة الراعي ورئيس الجمهورية اللذين سيحرص المجلس على عدم إغضاب أي منهما عند تعيين قاضيين مارونيين في مركزَي مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والمدّعي العام في جبل لبنان. لن يسمح القاضي عبود وزملاؤه بأن يُفكّروا بقاضٍ من طائفة أخرى وإن كان أكثر كفاءة من المُختار. وبالطبع، لن يجرؤ المجلس على اختيار قاض لمنصب المدعي العام للجنوب من غير الطائفة الشيعية، وإلا فإن غضب «الثنائي الشيعي» سينزل عليه. ليس هذا فحسب، بل لن يجرؤ حتى على تعيين محامٍ عام من الطائفة الدرزية بدلاً من محامٍ عام من الطائفة السنية في مركز طُوِّب لطائفة الأخير عُرفاً. هنا سيظهر طيف مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان أمامه ليتراجع فوراً، مؤنّباً نفسه. الأمر نفسه ينسحب على تعيين البدلاء من القضاة المطرودين.مجلس القضاء الأعلى الذي يسوّق، مع وزيرة العدل، أن التشكيلات القضائية التي يجري إعدادها حالياً بعيدة كل البعد عن المحاصصة السياسية، يلتزم التزاماً تاماً بالتقسيم الطائفي والمذهبي للمناصب القضائية، من دون أي اعتبار للكفاءة. وعندما يُسألون، سيجيبون بأنهم اختاروا الأكفأ من كل طائفة! تمسّك بفيدرالية الطوائف، باسم منع المحاصصة الطائفية. لكن جدول الثانية يصبّ في بحر الأولى. يجزم أحد القضاة المتابعين لملف التشكيلات القضائية بأنّ القاضي الذي سيُعيّن بديلاً من قاضٍ درزي مطرود من القضاء، سيكون حتماً من الدائرين في فلك وليد جنبلاط. وسيتكرر الأمر في اختيار بديل لقاضٍ شيعي مطرود، أو ماروني أجبر على الاستقالة. من لم يُطالب به «زعيم» طائفته، سيطالب به «المرجع الروحي» للمذهب.
أهل القضاء يُصرّون على تطويب المراكز متذرّعين بالعُرف الطائفي


القاضي عبود وزملاؤه في المجلس، وعلى هدي أسلافهم، قرروا مخالفة الدستور الذي ينصّ في المادة ٩٥ منه على منع تخصيص أي وظيفة لأيّ طائفة. فالفقرة «ب» من هذه المادة نصّت على إلغاء «قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني». وعلى الرغم من أنّها «استثنت وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها»، إلا أنّها اشترطت أن «تكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة». رغم ذلك، فإن أهل القضاء يُصرّون على تطويب المراكز متذرّعين بالعُرف! أما الكفاءة فتأتي لاحقاً. وتأتي معها مقاييس الكفاءة والرتبة والسمعة. وفي هذا السياق، يُعلّق مرجع سياسي بالقول: «كيف تطلب ممّن عيّنه أهل السياسة أن يكون مستقلاً ومتجرّداً في خياراته!»، معتبراً أنّ «تعيين كلٍّ من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود كان سياسياً طائفياً»، على اعتبار أنّ الأوّل من حصة الطائفة السنية، واختاره رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والثاني من حصّة الموارنة، ورشّحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (علماً بأن عويدات ليس «مستقبلياً» وعبود ليس «عونياً»). ويُضيف المرجع نفسه: «هذان القاضيان هما الأكثر تأثيراً في التشكيلات القضائية... فكيف المُعيّن من قِبَل طرف سياسي ممكن أن يُنجز تشكيلات مستقلة؟». علماً بأنّ هذا الأمر يمكن تلافيه عبر انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى، ولا سيما أنّ هذا الطرح كان قد ورد خلال الشهرين الماضيين في اقتراح قانون استقلال السلطة القضائية، إنما رُفِض من سائر القوى السياسية. وماذا عن دور وزيرة العدل ماري كلود نجم، وزيرة الوصاية التي تُشرف على حُسن سير المرفق القضائي؟ تقول المصادر إنّ الأخيرة، رغم اجتماعها الدوري مع المدعي العام التمييزي ورئيس مجلس القضاء الأعلى، لا تتدخّل في مسار التشكيلات اليوم، إنما تنتظر إقرارها من قبل مجلس القضاء الأعلى لتعطي رأيها. وحتى لو اشترطت التمسّك بمخالفة التخصيص الطائفي للمناصب القضائية، فإن مجلس القضاء قادر على إقرار التشكيلات بأكثرية 7 أعضاء، ما يسلب الوزيرة أي صلاحية. فهل سيجرؤ عبود وعويدات وزملاؤهما على هذه الخطوة؟



الرئيس عون لم يتخلّ عن القاضية عون
ينكبُّ أعضاء مجلس القضاء الأعلى على إنجاز التشكيلات القضائيّة التي يُرجّحُ الانتهاء منها قريباً، إلا أنّ بورصة الأسماء لم ترسُ بعد على لائحة نهائيّة، على الرغم من حسم بعض المراكز. وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أنّه بدأ التداول باسم القاضية رانيا يحفوفي لتخلف القاضي رهيف رمضان في منصب المدعي العام للجنوب، تحت عنوان أنّها مستقلة، رغم أنّها طُرحت من قبل جهة حزبية. وكذلك يُتداول اسم القاضي زاهر حمادة لشغل المنصب أيضاً. وكشفت المصادر أنّ مجلس القضاء الأعلى استدعى سبعة أو ثمانية قضاة موارنة (عُرِف منهم كل من: كلود غانم، فادي عنيسي، فادي عقيقي، فادي صوّان وجوني القزّي...) حيث أجرى مقابلة مع كل واحد منهم على حدة للتعرف إليهم عن قُرب، علماً بأنّ معظمهم قضاة منذ أكثر من 15 عاماً. كذلك استدعى عدداً من القضاة الشيعة (عُرِف منهم: صبوح سليمان، كمال المقداد، رانيا يحفوفي ومازن عاصي...) حيث أُبلغوا بأنّ هناك ثلاثة مراكز شاغرة للطائفة الشيعية هي: قاضي التحقيق الأول في البقاع ورئيس محكمة الجنايات في بعبدا والنائب العام الاستئنافي في الجنوب. أما لماذا لم يُرسل خلف قضاة شيعة آخرين، فكانت الإجابة بأن أعضاء المجلس يعرفون القضاة الباقين. تجدر الإشارة إلى أنّ استدعاء القضاة لإجراء مقابلة شفهية معهم من قبل أعضاء مجلس القضاء الأعلى لم يكن معهوداً لدى إجراء التشكيلات القضائية سابقاً.
كذلك يسري همس بين القضاة بشأن نتيجة زيارة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الأسبوع الفائت، فيتردّد أنّ عون لم يتخلّ عن المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، ورفض «كسرها» عبر إطاحتها إلى مركز هامشي. وتشير المصادر إلى أنّ الحل يقضي بالتوصّل إلى تسوية تحفظ القاضية عون، كاشفة أنّ الطرح المقدّم بأنّ تُعيّن رئيسةً لمحكمة التمييز العسكرية. غير أنّ وجود القاضيين صقر صقر وطاني لطوف يعيق التسوية المطروحة.