استكملت المصارف يوم أمس ضغطها باتجاه تحميل الدولة اللبنانية عبء سندات اليوروبوندز المستحقة في العام الجاري... ولو بصورة ملتوية. فبعدما استمهلت جمعية المصارف أول من أمس، في الاجتماع الذي عقد في السرايا الحكومية، حتى يوم أمس لإبلاغ رئيس الحكومة حسان دياب موقفها من اقتراح شرائها سندات الدين من الدائنين الأجانب، بما يمكنها من تملك نسبة 76% منها؛ تبلغ دياب من المصارف قرارها الرافض للقيام بهذا الإجراء. فوفق المكتب القانوني الذي يمثل مصالح جمعية المصارف في الولايات المتحدة الأميركية، يُعَدّ تحايلاً شراءُ السندات من الجهات الأجنبية بما يضمن سحب حق الفيتو منها لأن الاتفاق مع نسبة 75% من المستثمرين يلزم باقي الدائنين. هذه المصارف نفسها «الحريصة على سمعتها والتزامها بالقانون»، قامت قبيل أسابيع قليلة ببيع جزء كبير من سنداتها الى صندوق «أشمور» السيئ السمعة لناحية كونه من الصناديق «المفترسة» التي تعمد الى ابتزاز الدول المتعثرة لتركيعها بواسطة سندات الدين. صفقة المصارف «الخبيثة» منحت «أشمور» حقّ الفيتو في مفاوضات الدولة لعدم تسديد ديونها بعد استحواذه على جزء كبير من السندات المستحقة. وخلال الاجتماع الذي عقد في السرايا يوم أمس، أكملت الجمعية بالنهج نفسه مقترحة إعادة جدولة السندات التي تحملها، على أن تدفع الدولة مستحقات الدائنين الأجانب. إلا أن هذا الاقتراح ساقط مسبقاً لعدم إمكانية الدولة تحمّل عبء الدفع لهؤلاء. قبيل اجتماع دياب مع المصارف، زار رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد موقفه بعدم دفع السندات المحلية والأجنبية وفوائدها أيضاً. الموقف نفسه كرره كل من حزب الله والتيار الوطني الحر. إلا أن اللافت على ما تقول المصادر، تأييد وزير المال غازي وزني ضمنياً اقتراح المصارف خلال الجلسة المسائية، ما استدعى اتصالاً آخر ببري الذي أعاد تأكيد موقفه بعدم الدفع.بموازاة جمعية المصارف، بدأ حزب «صندوق النقد الدولي» يكشف عن نفسه يوماً بعد آخر. هو الخلاف السياسي نفسه بين قوى 8 و14 آذار ينعكس انقساماً حادّاً حول الأزمة الاقتصادية وسبل معالجتها، ويعيد فرز الأحزاب السياسية ضمن هاتين القوتين. ففيما اتضح موقف حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بشأن رفض وضع البلد تحت وصاية صندوق النقد والاتجاه نحو عدم دفع سندات اليوروبوندز، باتت القوى الأخرى أكثر «جرأة» في الكشف عن وجهة نظرها. ويوم أمس، انضمت كتلة المستقبل الى نادي المطبلين لحكم صندوق النقد منددة «بالحملة التي تستهدف قطع الطريق على التعامل معه بحجة وصفة الإجراءات الضريبية القاسية التي يفرضها على الدول». بالتزامن معها، حسم النائب نهاد المشنوق أن لا خيار للدولة سوى باللجوء الى الصندوق. قبلهما بيوم واحد، وصف رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حول صندوق النقد بـ«الأيديولوجيات».
فضل الله: حزب الله يرفض الشروط التي تتضمّنها أيّ خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي

أما التحرر من هذه الأيديولوجيات وفق وصفة المستقبل والقوات والكتائب والمصرفيين الطامحين لعدم المسّ بامتيازاتهم وأرباحهم، فيكون ببيع الدولة كل ما تملكه لدائنيها، أي خصخصة قطاعاتها واتخاذ إجراءات قاسية بحق الموظفين في القطاع العام ورواتبهم التقاعدية. في العلن يرفعون لواء الحفاظ على المال العام، لكنهم في الوقت نفسه يسخرون من «الإجراءات الضريبية القاسية» التي يفرضها برنامج الصندوق على الدول. معادلة هذه القوى واضحة: ممنوع المسّ بالمصارف وسندات اليوروبوندز وأرباح أصحاب الودائع الكبيرة. لذلك لا مانع لديهم من استيراد وصفة الصندوق الجاهزة التي لا تزيد المواطن إلا فقراً، فتأتي لتزيد عليه الأعباء الضريبية؛ أولها الضريبة على القيمة المضافة مع إلغاء جميع الاستثناءات، بما فيها المواد الغذائية والأدوية. ثانيها، فرض رسم إضافي يعادل 5000 ليرة على كل صفيحة بنزين. ثالثها، زيادة تعرفة الكهرباء وغيرها الكثير من الشروط الإفقارية التي ستتحمل وزرها الفئات الضعيفة. لن يقتصر رضوخ الدولة على الجانب الاقتصادي، بل سيستتبع برضوخ سياسي كما جرت العادة في كل الدول التي خضعت لوصاية الولايات المتحدة الأميركية. وهو ربما ما تأمله بعض الأحزاب السياسية. من هذا المنطلق، كرر النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله موقف حزب الله من هذه المسألة، وقال في حديث الى وكالة «رويترز» إن «الحزب يرفض الشروط التي تتضمنها أي خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي للبنان لأنها ستؤدي الى ثورة شعبية». وأوضح أن «الموقف ليس من الصندوق كمؤسسة مالية دولية، بل من الشروط المعروضة على لبنان»، داعياً إلى «حل وطني متوافر بوضع خطة إصلاحية جذرية تطاول كل ما له علاقة بالدولة وماليتها ومؤسساتها وقطاعاتها وتستفيد من خبرات صندوق النقد وغيره، لتعيد الثقة بين اللبنانيين ومؤسسات دولتهم». وسأل فضل الله «من يستطيع أن يتحمل مسؤولية زيادة الضرائب على عموم الشعب اللبناني أو بيع أملاك الدولة للقطاع الخاص وخصخصة كل شيء وطرد نسبة كبيرة من موظفي الدولة؟».