تُصرّ بعض الجهات اللبنانية على التعامل مع وباء «كورونا» باستهتار كبير، إن كان عبر إخفاء معلومات عن مُصابين ومصدر إصابتهم وتاريخها، أو عبر حصره في خانة طائفية وسياسية مُحدّدة. يُهدّد هذا الأسلوب في خروج الأمور عن السيطرة في الأيام المقبلة، ولا سيّما مع ارتفاع الحالات الإيجابية في اليومين الماضيين وبدء النقص في المعدات الطبية، وعدم تجاوب الدول الأخرى مع طلبات المساعدة، بعد أن باتت هي بحاجة إلى من ينتشلها من مصيبتها.خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم، تسرّب خبر أنّ وزير الصحة حمد حسن طلب «عزل منطقتين»، تردّد أنّهما كسروان وجبيل بسبب تحوّل الفيروس فيهما إلى «محلّي» غير معروف مصدره، وإلى ارتفاع نسبة الإصابات غير المُعلن عنها. إلا أنّ مجلس الوزراء رفض الطلب، واختار بدل ذلك «تشديد الإجراءات».
الخبر المُسرّب يُثير الكثير من الشكوك، ويُحمّل وزارة الصحة والهيئات المحلية في كسروان وجبيل مسؤولية مُصارحة المواطنين بالواقع الفعلي وتقديم المعطيات بشفافية: ما السبب الذي أدّى إلى طلب العزل؟ ما هو عدد الإصابات الفعلي؟ ما هي أعداد الإصابات المُشتبه فيها والتي تلتزم الحجر؟ في أي بلدات تتوزّع؟ هل حُدّد مصدر الإصابات؟ لم يهتمّ أحد بتوضيح هذه النقاط، وكما في معظم الملفات، جنح الموضوع صوب النقاش الطائفي، الذي يؤدي عملياً إلى التراخي في اتخاذ أي إجراء.
لا مجلس الوزراء صارح الرأي العام بعد انتهاء الجلسة، ولا الوزارة أيضاً. فقد أصدر مكتب حسن الإعلامي بياناً نفى فيه الأخبار المتداولة، «مؤكداً على ما تقرر في جلسة مجلس الوزراء لناحية التشدّد في تنفيذ الإجراءات ذات الصلة، ولا سيما في الشق المتعلق بمنع التجمعات والحدّ من التجوّل على امتداد الأراضي اللبنانية، خاصة بعد ارتفاع حالات الإصابات خلال الـ 48 ساعة المنصرمة». علماً أنّه، بحسب معلومات «الأخبار»، جرت مناقشة عزل جبيل وكسروان وبعبدا (في مرحلة لاحقة) داخل مجلس الوزراء، واعتبر حمد أنّ «إشاعة أجواء إيجابية أدّى إلى نوع من التراخي لدى المواطنين». كما جرى الحديث عن العديد من الإصابات غير مُحدّدة المصدر وغير مُعلنة، وهنا مكمن الخطورة. فالفيروس، تحوّل في كسروان وجبيل إلى محلّي، بسبب عدم تحديد مصدره والجهات المُتضررة منه. فبحسب التقرير اليومي الصادر عن «الصحة»، بلغت الحالات المُثبتة مخبرياً 149 حالة، مع تسجيل 16 حالة جديدة عن الأمس. ويوجد 14 إصابة لا معلومات عن أماكن توزعها، أما الإصابات الأخرى فتتركز بشكل خاص في كسروان، وبعبدا، وجبيل. الأمر الذي «برّر» طلب حمد حسن الحجر على هذه المناطق.
نفي وزارة الصحة للعزل، لم يمنع من تفجّر عصبيات مناطقية وطائفية. النائب زياد حواط اعتبر الكلام «تجنّياً كبيراً... كلام وزير الصحة يحمل أبعاداً طائفية وسياسية خطيرة». زميله شوقي الدكاش «أحرج» حمد حسن بسؤاله «لماذا اخترت كسروان وجبيل في حين أنّ الفيروس صار في مرحلة الانتشار على معظم الأراضي اللبنانية؟ أما أن تحجرنا من دون أي مقومات للمتابعة والعلاج، فأقولها لك بلغة تفهمها هيهات منا الذلة». ثم صدر بيان عن كل النواب في المنطقة، طلبوا فيه من الوزير «قبل الحجر تجهيز مستشفى البوار الحكومي ليكون قادراً على استقبال المصابين. الإهمال الذي لن نسكت عنه بعد اليوم ما زال مستمراً والتباطؤ متواصلاً في تأمين الفتات الذي رُصد لهذا المستشفى الذي يحتاج إلى حصّة أكبر تُرصد لتجهيزه»، وأضاف البيان أنّه «بدل التسريب الإعلامي، كنا نتمنى على الحكومة مجتمعة وعلى وزارة الصحة تحديداً أن نشهد إجراءات عملية بدل التهويل الكلامي».
يتحدّث حبيش عن وجود قرابة 200 حالة غير مُعلنة في كسروان


يقول رئيس اتحاد بلديات كسروان - الفتوح، جوان حبيش في اتصال مع «الأخبار» إنّه مع العزل «لأنّ الوباء مُنتشر في كسروان. الحالات التي نعرف بوجودها هي 6 في جونية واثنتان في طبرجا، واليوم جرى نقل 4 من أمام إحدى السوبرماركت الكبرى في جونية». كما أنّ مستشفى في ساحل كسروان، «جرى عزل طابق بأكمله فيه بعد أن تبين أنّ شخصاً أُجريت له عملية مُصاب بكورونا، وقد التقط العدوى من زوجته».
من بين الحالات المُصابة في كسروان أشخاص «شاركوا في الرياضة الروحية مع الرهبنة اليسوعية، ونقلوا العدوى إلى أقارب لهم»، مؤكداً أنّ إحدى الوفيات الأربع بالفيروس «من بلدة داريا، قريبة أحد آباء اليسوعية، وهناك حالة ثانية في العائلة». ويضيف حبيش بأنّ «العديد من الحالات موجودة في الحجر المنزلي للاشتباه في إصابتهم، ولا نعرف مع من يكونون قد تواصلوا»، مُرجحاً أن تكون الأرقام غير المعلنة «بحدود الـ200». مشكلة حبيش هي مع «غياب المعايير الموحدة لدى الوزارات المعنية في التعامل مع كورونا... هناك معياران إما نعتمد نموذج الصين، وإما إيطاليا». يُفضّل حبيش النموذج الصيني في مكافحة «كورونا»، داعياً في الوقت نفسه للعودة «إلى المادة 74 من قانون البلديات، التي تقول إنّ المسؤولية الأولى في هذه الحالات تقع على رئيس البلدية. الجميع لا يزال مُسترخياً. يجب إعلان العزل، ومنع التنقل، لنعرف من المريض ونمنع انتقال العدوى».
من جهته، أوضح النائب سيمون أبي رميا أنّ وزير الصحة «كان يُفكّر بالعزل ليحصر الوباء»، ولكن مجلس الوزراء لم يوافق. واعتبر أنّه في جبيل «توجد 27 إصابة مُثبتة، لا ينتمون جميعهم إلى القضاء، بل من بينهم مُمرضون في مستشفى المعونات، وموظفون في شركة IPT النفطية». بالنسبة إلى أبي رميا، في جبيل «الأمور تحت الضبط، فنحن نملك كل الأسماء، ونتواصل مع الجميع، ونؤمن الفحوصات لمن يجب أن يخضع لها، فضلاً عن تحضير أماكن عزل».