«نحن الآن نتهيأ للمرحلة الرابعة من الخطة الوطنية، بعد رصد 6 حالات إصابة غير معلومة المصدر (...) والتزام المجتمع هو ما يحدّد اليوم إلى أين نتجه في تطور الأمور». بهذا التصريح، الذي أطلقه عقب لقائه مع لجنة الصحة النيابية، أعلن وزير الصحة العامة، حمد حسن، قرب الوصول إلى مرحلة جديدة من المواجهة مع الكورونا: مرحلة الانتشار السريع. دقّ حسن ناقوس الخطر، مع تعذّر فكّ «شيفرة» بعض الإصابات التي لا تزال بلا مصدر إلى الآن، والمتوقّع أن تزيد في المرحلة المقبلة، بسبب تكتّم البعض عن التصريح. وهو إذ يفعل ذلك، إلا أنه من ناحية أخرى، يرهن توقيت الوصول إلى «السيناريو الأسوأ» بالناس. فهؤلاء هم اليوم «خط الدفاع الأول والأخير»، بحسب حسن. فإما الالتزام بـ«التعبئة العامة»، وإطالة «أمد المرحلة الثالثة الحالية»، أو تركها «ربّانية» والهرولة نحو المرحلة الرابعة التي ستكشف بلا شكّ عري النظام الصحي وعجزه عن استيعاب صدمة الانتشار، وخصوصاً في ظلّ البطء في تجهيز المستشفيات الحكومية والنقص في المعدات الطبية.لم تكن الوقائع تحتاج إلى تصريح حسن، فما يجري اليوم على الأرض ينذر بأننا سنصل إلى المكان الذي سيصبح فيه «الأمر متروكاً للسماء». ففي الأرقام، يواصل عدّاد كورونا الصعود مع تسجيل 10 إصابات جديدة ليصل العدد إلى حدود 167 إصابة مثبتة مخبرياً. مع توقعات مصادر مستشفى بيروت الحكومي أن يلامس الرقم عتبة الـ180 حالة اليوم مع صدور تقرير وزارة الصحة.
وما يعزز هذا الخوف ثلاثة عناصر رئيسية: أولها استهتار ناس كثر بضرورة العزل المنزلي وثانيها التكتم الذي تمارسه بعض الجهات والمستشفيات على بعض الحالات المصابة ومصادرها، وثالثها «النزوح الداخلي» من المناطق التي تسجل أعداد إصابات بوتيرة يومية إلى مناطق أخرى أقلّ انتشاراً.
مع ذلك، هي ليست مسؤولية الناس وحدهم. هي مسؤولية الوزارة أيضاً والجهات المعنية في تسريع الإجراءات كي تواكب سرعة انتشار الفيروس، وتتخذ القرار بفرض إجراءات قاسية بصرف النظر عن طرق التفسير، التي اتخذت أخيراً منحى طائفياً، ولا سيما في ما يخص قرار عزل المناطق التي تشهد تسجيل إصابات بوتيرة متسارعة ومحلية المصدر. وفي هذا الإطار، تفيد مصادر في وزارة الصحة أن «اقتراح العزل لا يزال خياراً قائماً اليوم إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه». وهو تالياً اقتراح «تفرضه المعطيات العلمية، ولا علاقة لها بالحجر على مناطق معينة من دون أخرى».
صحيح أن الوزير لا يزال يعيد تأكيد أن الأمور لا تزال تحت السيطرة، إلا أن لسان حال المتابعين للملف داخل الوزارة نفسها يشير إلى «أننا دخلنا المرحلة الأخيرة». وينطلق تبرير هؤلاء من فحوى اجتماع لجنة الصحة النيابية، أمس، والذي طرح الخيارات المفترضة للمواجهة، من تجهيز المستشفيات الحكومية وإعلام المستشفيات الخاصة بضرورة التجهيز. وقد أشار رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي إلى أنه يجري تجهيز 12 مستشفى حكومياً في المناطق، على أن تصبح جاهزة في غضون أيام. كما درست اللجنة خيار زيادة الأعداد في حال الانتشار، لتشمل المستشفيات الحكومية المتبقية بحيث يصبح العدد بحدود 29 مستشفى حكومياً، إضافة إلى 10 مستشفيات خاصة كمرحلة أولى، «مع احتمال فرض الأمر على مستشفيات أخرى إذا ما دعت الحاجة»، بحسب عراجي. وفي إطار خطة الطوارئ الشاملة، احتسبت غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث عدد الأسرّة المفترض تجهيزها «وهي 1879 سريراً و336 عناية فائقة و215 سرير طوارئ في المستشفيات الحكومية، و9523 سريراً و 1972 عناية فائقة و878 طوارئ في المستشفيات الخاصة».
أما بالنسبة إلى أجهزة التنفس، فأشار حسن إلى أنه يوجد اليوم «1185 جهازاً (165 في الحكومي و1020 في الخاص)»، فيما تنتظر الوزارة اليوم إضافة 110 أجهزة «عبر مجلس الإنماء والإعمار». أي ما يساوي 1300 جهاز، مستخدم منها اليوم ما لا يقل «عن 600 جهاز». أما ما بقي فهو بحدود 700 جهاز، «فهي مخصصة لمرضى الكورونا»، وخصوصاً أن التقديرات تشير إلى أن أجهزة التنفس في غرف العناية الفائقة التي سنحتاج إليها، «هي بحدود 35%، أي ما بين 500 إلى 600 جهاز».
دعت بعض البلديات عبر مكبّرات الصوت لعدم تأجير عائلات سورية نازحة!


هي أرقام «مطمئنة» بحسب حسن، لكن إلى الآن. أما في حال التفشي «فنحن نحتاج إلى تأمين المزيد من الأجهزة»، بحسب عراجي. وفي هذا الصدد، طمأن الوزير إلى أن إيجاد مصادر جديدة لن يكون صعباً «وقد توجهنا بطلبيات إلى أكثر من دولة للحصول على أجهزة بهبات أو بشراء»، وخصوصاً أن مصادر التمويل بدأت تتوفّر. وهي إضافة إلى قرض البنك الدولي البالغ 40 مليون دولار لتجهيز المستشفيات، «أمّنت وزارة الدفاع مبلغ 20 مليون دولار لشراء المعدات في إطار مكافحة كورونا و10 ملايين أخرى من الهيئة العليا للإغاثة لأمور لوجستية للمستشفيات». وفي سياق متصل، وفي إطار المواجهة والتخفيف عن مستشفى بيروت الحكومي، أصدرت وزارة الصحة، أمس، تعميماً يسمح للأشخاص الذين تعافوا سريرياً أو من لم تظهر عليهم عوارض مرضية عند التشخيص أو ذوي العوارض الخفيفة أن يكون خيار «العزل المنزلي» متاحاً لهم. وفي هذا الإطار، جرى إخراج 3 مصابين من المستشفى، أمس، إلى الحجر المنزلي، ليستقر العدد على 16 حالة. كما سُجّلت حالتا شفاء من الفيروس، ما يرفع الحالات التي شفيت تماماً إلى 5 حالات.

بلديات ضدّ الكورونا!
لم تكد بعض البلديات تتنفّس الصعداء بعد «تحصيل» التزام شبه تام من قبل الأهالي بالحجر المنزلي، عادت الأخيرة للاستنفار، بعد انتشار شائعات عن توجه عدد كبير من النازحين السوريين إلى عدد من البلدات، هاربين من مناطق الشمال التي تشهد انتشاراً للكورونا. وقد تصدّت البلديات في عدد من المناطق للنزوح المحتمل للنازحين، وأصدرت بيانات حذّرت فيه من تأجير منازل لوافدين جدد، داعية إلى التبليغ عنهم للتأكد من حالتهم الصحية. ولئن كانت تلك البيانات تستهدف حماية البلدات من «دخول» محتمل للفيروس عبر الهاربين من مناطق تشهد تسارعاً في الإصابات، إلا أن ما لم تتنبه إليه البلديات في حربها ضد الكورونا هو أنها كانت «تستهدف» العائلات السورية، من دون الأخرى اللبنانية التي تدخل القرى... بلا «تصريح» مرور، كما يجري مع السوريين اليوم. فمعادلة البلديات لحماية بلداتها باتت اليوم عنوانها السوري، حيث دعت بعض البلديات عبر مكبّرات الصوت لعدم تأجير عائلات سورية نازحة أو منع تجول السوريين أو إغلاق مداخل مخيماتهم في البلدات التي لجؤوا إليها وإبقائهم داخلها!