لم يكن كسر بيروقراطيّة قصور العدل ليتحقّق قبل أزمة فيروس كورونا والخوف من انتشاره في السجون المكتظّة ومراكز الاحتجاز، ما دفع نقابتي المحامين في بيروت والشمال للتحرّك بهدف إنشاء غرف عمليات لتلقّي طلبات إخلاء السبيل عبر الهاتف والمراجعة بها إلكترونياً. هذه الخطوات ترافقت مع قرارات لوزيرة العدل ماري كلود نجم، وتعميمين من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لتسهيل تقديم طلبات إخلاء السبيل والاستجواب الإلكتروني، وتنفيذ المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة لناحية إطلاق سراح الموقوف خلال 24 ساعة في حال تعذّر استجوابه، وهو ما فرضه ظرف الفيروس، وطلبه عدم اللجوء إلى التوقيف الاحتياطي إلاّ في الحالات القصوى.
غير أن آلاف السجناء غير المشمولين بالإعفاءات، يتخوّفون بدورهم من انتشار الفيروس في السجون التي يقتصر فيها التعقيم «على الأوديكس ومنع المواجهات المباشرة أو تلقي الطعام من عائلاتنا» كما يقول أحدهم لـ«الأخبار»، ويضيف: «ننام كل عشرة في غرفة وبتنا نتخوّف من العساكر الذين يحتكّون بالخارج من نقلهم الفيروس إلينا».
عشرات طلبات إخلاء السبيل بُتّ بها أو هي في طريق البتّ، معظمها في الشمال، إضافة إلى انتظار اكتمال إعداد لوائح 109 سجناء هم محكومو الجنح ممن يتطلّب إخلاء سبيلهم دفع كفالات ماليّة، وقد رفعت بشأنهم لجنة الرعاية الصحية في السجون توصية إلى رئيس الجمهورية ميشال عون لإصدار عفو خاص بهم. عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت المحامي إيلي بازرلي أوضح لـ«الأخبار» أن «طلب العفو الخاص من رئيس الجمهورية لمرتكبي الجنح يأتي ليقونن اقتراح وزيرة العدل الذي وافق عليه مجلس الوزراء لكنّ عدم انعقاد المجلس النيابي قد يؤخّر بتّه، ويجري إعداد الأسماء والملفات الخاصة بكل سجين».
يتلقّى مركز الاتصال المستحدث في نقابة المحامين في بيروت يومياً، «عشرات الاتصالات بشأن طلبات إخلاء السبيل، بين التاسعة والثالثة والنصف بعد الظهر، هذه الطلبات يتمّ تحويلها إلى غرفة العمليات في نقابة المحامين التي تستحصل من موظفين في قصر العدل على ملفات السجناء والأختام، ويتمّ إرسالها عبر البريد الإلكتروني للقضاة الذين يردّون الطلبات أو يقبلونها، أما الإعفاء من الكفالات فيعود إلى القضاة فيما يسدد المحامون بعض تلك الكفالات. هذه العمليّة يصفها بازرلي بأنها «سهّلت عمل المحامين ووفّرت الزيارات إلى قصور العدل وكذلك سمحت للقضاة ببتّ الطلبات إلكترونياً وتخفيف الاكتظاظ في السجون». نحو 180 طلب إخلاء سبيل استقبلتها نقابة بيروت حتى يوم أمس، أما البتّ فيتراوح بين 10 و15 طلباً في اليوم من قبل القضاة. بازرلي ينفي «عدم تعاون المحكمة العسكرية بل جرت تخلية سبيل أحد الموقوفين عبر الهاتف والقضاة يتواصلون عبر البريد الإلكتروني».
آلاف السجناء غير المشمولين بالإعفاءات يتخوّفون من انتشار الفيروس في السجون


جهود نقابة المحامين في طرابلس والشمال أفضت إلى إنشاء غرفة ينشط فيها المحامون يومياً لمتابعة الطلبات، كما جرى إطلاق دائرة التحقيق الإلكتروني في قصر العدل في طرابلس وتمّت أخيراً تجربة الاستجواب عبر تقنية الصوت والصورة لاعتماده في مراكز التوقيف بوجود المحامين إذا أرادوا. نتائج هذه الحركة أفضت وفق مقرّر لجنة السجون في النقابة المحامي محمد صلبوح إلى «تقدّم المحامين بطلبات إخلاء سبيل أمام محاكم الجنايات والجزاء وقضاة التحقيق، باستثناء الجرائم الخطرة والاعتداء على أمن الدولة، وقد بتّ رئيس محكمة جنايات الشمال القاضي داني شبلي بـ34 طلب إخلاء سبيل، تُضاف إليها نحو 9 طلبات كان في صدد بتّها أمس، مع تزويده المحامين يومياً بمجموعة جديدة من الطلبات»، إضافة إلى «أكثر من 200 طلب إخلاء سبيل أمام رئيس محكمة جنايات الشمال الثانية القاضي بسام المولوي لم يبتّ بأيّ منها إلى حينه، لكنّه بدأ درسها للبدء ببتّها مطلع الأسبوع المقبل». كما قامت الهيئة الاتهاميّة في الشمال بإخلاء سبيل 25 شخصاً.



موقوفان منذ الانتفاضة
الجهود الهادفة إلى تخفيف اكتظاظ السجون، لم تتمكّن إلى حينه من إخلاء سبيل الموقوفَين محمد سرور وجورج قزّي منذ ثلاثة أشهر، على خلفيّة إحراق واجهة مصرف الاعتماد اللبناني ولافتة للتيار الوطني الحر في جونية خلال الانتفاضة. بالرغم من إسقاط الحق الشخصي وعدم وجود ضرر في الأرواح، لا تزال الهيئة الاتهاميّة في جبل لبنان برئاسة القاضي ربيع حسامي، تماطل في النظر بطلبات إخلاء سبيلهما. الموقوفان قابعان إلى حينه في نظارة قصر عدل بعبدا، التي «تشكّل تجمّعاً قسرياً يسرّع من انتشار كورونا» وفق ما أنذرت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين. في المقابل، أخلت قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا أول من أمس، سبيل الموقوفين في قضية أعمال الشغب في طرابلس نور شاهين ومحمد كنعان من دون كفالة ماليّة، وهما كانا أوقفا منذ أشهر.