من غير المؤكد أن مناقشة «خطة الإصلاح المالي» ستنجز في مجلس الوزراء اليوم، وقد تحتاج الى أكثر من ثلاثاء وخميس لبتّها. كان قد اقترح على رئيس الحكومة حسان دياب، بعدما عرض الخطة على المجلس، تأليف لجنة وزارية تجوجل ملاحظات الوزراء وتستخرج منها قواسم مشتركة. بيد أنه فضّل وضع الخطة برمتها مع الملاحظات على طاولة مجلس الوزراء مجتمعاً، ومناقشتها بنفسه توصلاً الى الصيغة النهائية.في وقت سابق، في جلسة الخميس الفائت (9 نيسان)، تذمر بعض الوزراء من عدم إطلاعهم على المسوّدة، بعدما أعدّها فريق ضم وزير المال غازي وزني والمدير العام للوزارة آلان بيفاني ومستشارون وخبراء بإشراف رئيسَي الجمهورية والحكومة. في مراحل إعدادها حضر وزراء وغاب آخرون أو لم يُدعوا أو لم يأخذوا علماً بها، فتململوا وأبلغوا الى دياب استياءهم من عدم مشاركتهم في صوغ المسودة. بينهم مَن عدَّ ما سمّاه إبعاده، كأنه يستهدف فريقاً سياسياً أو طائفة، وتالياً فرض الخطة عليه. انتهى الأمر برئيس الحكومة الى التأكيد لوزراء حردوا أنه سيضع المسوّدة أمام مجلس الوزراء كي يناقشها أعضاؤه فرداً فرداً.
رغم أن أكثر من جهة رسمية تجزم بأن العناوين المعلنة للخطة لا تعدو كونها مسودة، بيد أن المشاركين في وضعها يتحدثون عن السجال الأكثر تعقيداً واستعصاءً على الحل، حتى الآن على الأقل، وهو: مَن يقتضي تحميله القسط الأوفر من الخسارة المالية والنقدية التي تكبّدتها الدولة؟
في ما هو شائع منذ الكشف عن الخطة، وقد ترك سلفاً تداعيات سلبية واعتراضات بالجملة، أن المودعين الصغار سيكونون كبش محرقة فعلياً، نيابة عن المودعين الكبار والطبقة الحاكمة نفسها، بغية تحميلهم هم الخسارة الفادحة المقدرة بـ 90 مليار دولار وتصفيرها. وهو ما عناه اللجوء الى «haircut».
لم يفضِ الجدل داخل حكومة دياب وخارجها ــــ وكانت النبرة الأعلى لرئيس مجلس النواب نبيه بري في رفض قصّ الودائع الصغيرة ــــ الى حسم الخيارات المتاحة. يحمل هذا الجدل المشاركين في وضع الخطة على القول إن المطلوب الجدي في المعالجة استخدام أسلوب «القِمِع» في توسّل القص الذي لا بد منه للتصفير، بحيث يُحمّل القسط الأكبر من الخسارة الجهة الأكثر تسبباً فيها وهي السلطة نفسها بالطبقة الحاكمة ذاتها التي لم تتغير منذ عقود. كان قد طرأت تعديلات على أوزان الطبقة تلك نجمت عن تعديل في موازين قوى داخلية ترتبت على ما حدث عام 2005: دخول حزب الله للمرة الأولى في الحكومة، وكذلك حزب القوات اللبنانية بحصة أصغر، وحزب الكتائب بحصة أصغر فأصغر، تبعه التيار الوطني الحر عام 2008 كشريك فعلي كامل المواصفات في المحاصصة والانضمام الى لعبة الإهدار والتقاسم. مذذاك توالت حكومات الى أن أعلنت ــــ أو أوشكت ــــ الدولة اللبنانية إفلاسها وإفلاس مصرف لبنان مع انهيار شبه كامل للاقتصاد والليرة.
على نحو كهذا، تبعاً لأصحاب هذا الرأي، يقتضي إلقاء هذه الطبقة في الفوهة العريضة لـ«القِمِع» كي تتحمّل القسط الأوفر من تصفير الخسائر، كونها تمثل أصحاب الأموال المنهوبة وأصحاب الأموال المهرّبة، من ثم في الوسط توضع المصارف بمساواتها نحو 21 مليار دولار لم يخلُ أداؤها من ارتكابات مشينة، انتهاءً بالقعر الضيق لـ«القِمِع» كي يرقد فيه بالحصة الصغرى المودعون الصغار. عبّر عن وجهة النظر هذه رئيس الجمهورية ميشال عون في اجتماعات مغلقة، مبدياً انزعاجه لتحميل عهده تداعيات ثلاثة عقود من الإهدار المنظّم والارتكابات والفساد والسرقات. الى اللحظة ليس الرئيس في وارد «بلع» أي فكرة قصّ يطاول الودائع الصغيرة، وبكثير من القلق ينظر الى الفئة الأكثر تأثراً التي هي الطبقة الوسطى وأكثر من يمثلها الأسلاك العسكرية والأمنية والعاملون في المهن الحرة، ناهيك بالطبقة الفقيرة.
في الجانب الإيجابي من الخطة، وفق هؤلاء المشاركين، أن الركائز الست الأساسية التي تعتمدها، وهي إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف والديون والإصلاح المالي والخطة الاقتصادية للقطاعات المنتجة وشبكة الأمان الاجتماعي، مضافاً إليها خفض سعر الليرة اللبنانية، كفيلة بإقناع الدائنين الخارجيين والداخليين (سندات اليوروبوند وسندات الخزينة) بالموافقة على «قصّ» من الديون المترتبة على الدولة اللبنانية التي تطمح الى الأقصى ــــ وقد لا يحظى بالقبول ــــ وهو شطب 70% منها. وهو العنوان الرئيسي الذي تتوخاه الخطة، بغية إظهار سعي الحكومة اللبنانية الى إصلاح جدي موثوق به.
الطبقة المسيطرة بصفتها أصحاب الأموال المنهوبة والمهرّبة أجدر من يتحمّل الحجم الأكبر من التصفير


كانت الخطوة الأولى إعلان لبنان تعليق تسديد السندات الدولية المقدرة بـ 30 مليار دولار، تستكمله خطة الإصلاح التي يدافع عنها واضعوها انطلاقاً من أخذها في الاعتبار الأرقام المالية المتوافرة، زائداً الملاحظات التي أبداها الاستشاريان المالي والقانوني، زائداً بعض اقتراحات عرضها وفد صندوق النقد الدولي عندما زار لبنان الشهر المنصرم. لم تأخذ الخطة باقتراحات أخرى لصندوق النقد، عندما تحدث عن إجراءات بالغة الصرامة لسنتين بغية تعويم الوضع النقدي اللبناني، قابلها المسؤولون اللبنانيون الذين قابلوه، وأخصهم عون ودياب ووزني، بتعذر تطبيقها ــــ وإن لسنتين شاقتين فحسب ــــ جراء القدرات المتهالكة للبنانيين، ولا سيما منهم الطبقتين الفقيرة والوسطى.
مع ذلك، لا يسع واضعي الخطة إهمال الإشارة إلى صندوق النقد، على أنه «المرجعية الدولية الوحيدة القادرة على مدّ لبنان بمساعدات مالية، وضخّ سيولة كبيرة فيه، هو ما يحتاج إليه في الوقت الحاضر».