لا يعفي الخلط بين الواقع والخيال ونظريات المؤامرة التي سَعَّرَها انتشار وباء كوفيد 19 مؤخّراً، الدول التي تستمر في صناعة الأسلحة البيولوجية من دورها في تهديد الجنس البشري. فالسجالات والتراشق بالتهم بين الصين وأميركا حول «صناعة» كورونا أو تسرّبه من أحد المختبرات البيولوجية لإحدى الدولتين، يعيدان إلى الواجهة التسريبات التي أحاطت بعمل المختبر البيولوجي لـ«DTRA» (وكالة الدفاع للحدّ من المخاطر التابعة لوزارة الدفاع الأميركية) على مقربة من العاصمة الجورجية تبليسي، قبل عامين.طبعاً، ليست أميركا وحدها المهتمة بالأبحاث البيولوجية، على الرغم من توقيعها مع الدول الكبرى على «معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية» في العام 1975 (انضمت الصين بعد صناعة ترسانة نووية). دائماً ما اتخذ طابع البحث البيولوجي البعد الدفاعي في مشاريع الدول، العلنيّة على الأقل، خصوصاً منذ التوقيع على الاتفاقية. إلّا أن الأبحاث البيولوجية، كغيرها من الأبحاث العلميّة التي تجريها الجيوش، تأخذ في الحسبان الأهداف الدفاعية والهجومية، طالما أن التهديد قائم ومفتوح من أعداء دوليين «قادرين»، خصوصاً في حالة الولايات المتّحدة الأميركية، التي سبق أن استخدمت السلاح النووي.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبدء الصعود الصيني والروسي مجدداً، شرعت الولايات المتّحدة في تأسيس سلسلة من المختبرات البيولوجية في أوروبا الشرقية وآسيا وغرب أفريقيا، تحت عنوان دعم المنظومات الطبيّة لشعوب القارات، لا سيّما خلال الانتشار الأوّل لفيروس إيبولا في أفريقيا. لكن هذه المختبرات مثّلت تهديداً للدول التي تنخرط الولايات المتّحدة في صراعات معها، كجزء من منظومات الهجوم والدفاع التي أنشأها الأميركيون في أوروبا الشرقية وآسيا على الحدود الصينية والروسية. هذا على الأقل ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الروسية في تشرين الأول 2018، مستندةً إلى وثائق كشفها بدايةً وزير الدولة الجورجي لشؤون الأمن إيغور جييورغاتزي، حول «مركز لوغار للأبحاث الطبية» في تبليسي، ثم تابعتها الاستخبارات العسكرية والأجهزة الطبية والأمنية الروسية. وبحسب اللواء إيغور كيريلوف، رئيس «قوات الحماية الروسية من التهديدات الإشعاعية والبيولوجية والكيميائية»، فإن «هناك العديد من الأنشطة الخطيرة التي تحصل في المركز المموّل والمدار كاملاً من قبل الوكالة الأميركية تحت ستار العمل الطبي»، كاشفاً يومها عن وفاة 73 متطوّعاً في المركز، «ما يدل على استخدام عناصر خطيرة في الاختبارات على البشر». وربط الضابط الرفيع بين أنشطة «لوغار سنتر» وانتشار حمى الخنازير الأفريقية في جورجيا، وانتشار حمى القرم النزفية في عدة أقاليم. واتهم اللواء الروسي الأميركيين بنشر أنواع من البعوض والحشرات المحمّلة بفيروسات وجراثيم معينة لإجراء الاختبارات. ولعلّ أخطر ما أعلنه كيريلوف يومها، هو قيام الوكالة بجمع العناصر والعينات الجينية والحيوانية للسكان في الأقاليم الروسية وشمال القوقاز، من دون أن تتّضح أسباب هذه الأبحاث.
الصحافية البلغارية ديليانا غيتانجيفا أجرت قبل عامين تحقيقاً ميدانياً حول مركز لوغار، ولاحقت موظفين أميركيين ومتعاقدين تابعين للشركات العاملة مع البنتاغون داخل المركز، والمتعاقدين الأميركيين في مختبر في أوكرانيا. وكشفت غيتانجيفا عن ظهور أنواع جديدة من البعوض في جورجيا وجنوب روسيا تسبّب أمراضاً للسكّان، لا تعيش في الأصل في روسيا، مشابهة لأنواع تعرّض الجنود الأميركيون للسعاتها خلال اجتياح العراق. وتقول غيتانجيفا في اتصال مع «الأخبار» إنه «بعد كورونا صار الحديث مرعباً عن المختبرات البيولوجية، ولوغار هو من أبرز هذه المراكز المخيفة».
فازت «بارسنز» في 2017 بمشروع «المرحلة الثانية» من الحدود اللبنانية - السورية «الغامض»!


قبل نحو شهر، تحديداً بين 10 و15 آذار، زار لبنان وفد من شركة «بارسنز» (Parsons)، واحدة من كبريات شركات الأنظمة والتكنولوجيا التي تنفذ المشاريع لحساب وزارة الدفاع الأميركية. و«بارسنز»، عدا عن عملها في مجال الاستخبارات والأمن السيبراني وأنظمة المراقبة الشديدة التعقيد وتنفيذ الأعمال المعمارية الضخمة، ومشاركتها في تدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، كانت أداةً من أدوات الاحتلال الأميركي في العراق، وهي جزء أساسي من منظومة عمل القوات الأميركية التي تدير مشروع «لوغار» في جورجيا، كما أنها حصلت على عقد بقيمة 9.2 ملايين دولار للعمل على الحدود الجورجية - الروسية. وتتّهم الحكومة الروسية «بارسنز»، وشركات عديدة أخرى، مثل «باتيلل» و«ميتابيوتا»، بالعمل على إجراء الاختبارات البيولوجية الخطيرة وجمع «المعلومات الجينية» عن سكان روسيا.
وبمعزلٍ عن صحّة الاتهامات الروسية لـ«بارسنز»، يحيط عمل الشركة على الحدود اللبنانية - السورية الكثير من الغموض، إذ سبق لـ«الأخبار» أن تحدّثت عن دورها في إنشاء منظومة رادارية على الحدود تتواءم مع مثيلتها الموجودة في قبرص لخدمة القوات الأميركية.
على موقعها الرسمي، لم تعلن «بارسنز» عن أكثر من فوزها بعقود لتكملة «المرحلة الثانية من مشروع الحدود اللبنانية - السورية»، بهدف «دعم الجيش اللبناني في اكتشاف ورصد وصد الهجمات من أسلحة الدمار الشامل على طول 233 كلم من الحدود مع سوريا»!
لكن لم يذكر إعلان الشركة ما هي هذه المخاطر ومن أين يأتي تهديد أسلحة الدمار الشامل، ولا الدور الذي ستقوم به على الحدود مع سوريا، ما دام الخطر الفعلي يأتي من إسرائيل التي تمتلك فعلاً أسلحة الدمار الشامل، وما هي أصلاً المرحلة الثانية من «مشروع الحدود»؟ علماً بأنها تعمل على الحدود الروسية - الجورجية في ظروف مشابهة، كجزء من مشروع «DTRA» على الحدود السورية، وغير بعيد من القوات الروسية في قاعدتي طرطوس وحميميم. فهل ستقوم «بارسنز» بـ«دعم» الجيش اللبناني، أم أن عملها يأخذ أيضاً بعداً «بيولوجياً» على الطريقة الجورجية؟