فيما يُحتجز اللبنانيون في بيوتهم لمواجهة أزمة «كورونا»، لم تتوقف المخالفات والارتكابات والصفقات. لم يكن تحريك ملف سدّ بسري المشبوه والخطير، بكل المعايير، المفاجأة الكبيرة وحده. لا بل عاد الفلتان في ملف المقالع والكسارات إلى سابق عهده، منذ أن أصبحت الحكومة السابقة حكومة تصريف أعمال. كما أعيد إحياء ملف معامل الترابة لآل فتوش في عين دارة أيضاً، إذ أن العمل جارٍ مع وزارة البيئة، ومع مديرها العام تحديداً، على ديباجات واجتهادات قانونية للحصول على تراخيص لتشغيل معامل الترابة. علماً أن رخصة مقالع وكسارات فتوش التاريخية (لـ ٢٥ عاماً!) انتهت في أيلول الماضي. ولا نعرف إذا كان وزير البيئة الجديد دميانوس قطار قد تسرّع في إعادة الصلاحيات إلى المدير العام بعدما كفّ يده الوزراء المتعاقبون، من دون تدقيق في دوره في ملف المقالع والكسارات وشركات الترابة وعدم تطبيق المراسيم التنظيمية وتمرير بدع المهل الإدارية لإرضاء أكبر عدد ممكن من كبار المستثمرين المخالفين في هذا القطاع! كما لا نعرف أين أصبحت الإجراءات المطلوبة لاستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة التهرّب الضريبي في هذا القطاع، وما ورد في قانون موازنة 2019 من نصّ على تكليف وزارة المالية بالتعاون مع قيادة الجيش القيام بمسح وتكييل أحجام الصخور والبحص والرمل المستخرجة من مئات المقالع المخالفة منذ عام 2007؟! وهل فُتح تحقيق في كيفية استرداد بعض كفالات هذا القطاع من وزارة البيئة من دون القيام بأعمال التأهيل المطلوبة؟ وأين أصبحت الشكاوى على المخالفين والتي يفترض أن تتابعها وزارة الداخلية والمدّعون العامون ووزارة البيئة؟لم تكن حجة ضغوط البنك الدولي على الحكومة للبتّ في قرض سد بسري كافية لإسراع مجلس الوزراء الى اتخاذ قرار باستكمال الأعمال! كان يمكن التذرّع بحالة الطوارئ التي تسود البلاد لأخذ «نَفَس» وإعادة درس خطة عام 2010 غير الاستراتيجية - بكل المعايير - لإدارة المياه وإعادة تقييمها وتحديثها. وكانت هناك فرصة أمام الحكومة، في ظل الأزمة المالية وأزمة الوباء، لإعادة النظر في كل تلك الخطط الاستثمارية المشبوهة التي تم تقاسمها بين أطراف السلطة، ووقف الصفقات وإعادة النظر في السياسات، على الأقل بحجة عدم زيادة الديون. ربما يكون وزير البيئة الجديد دميانوس قطار شعر أنه أمام خيارين: رفض مشاريع السدود بالمطلق أو تحسين شروط التنفيذ... وبلجوئه إلى الثاني، يكون قد اختار الخيار المكمّل للسياسات الخاطئة وليس المصحّح للمسارات، وضيّع فرصة التغيير الشامل. مع الأمل بألّا يدخل في المنطق التسووي نفسه في قضية المحارق التي سيصل إليها عاجلاً أم آجلاً.
والعاجل الآن، في ملف النفايات، البتّ في خيارين سيقترحهما مجلس الإنماء والإعمار، بناءً على طلب الحكومة: إما توسعة جزئية لمطمر الجديدة - برج حمود أو إعادة فتح مطمر الناعمة. وفي المعطيات أن الدراسة التي سلّمها المجلس لرئاسة الحكومة قبل يومين، تؤكد إمكان القيام بتوسعة جزئية في مكبّ برج حمود من دون المسّ بمرفأ الصيادين ليستوعب 300 ألف طن، وكذلك إمكان إعادة كشف غلاف مطمر الناعمة والقيام بأعمال إنشائية تمكنه من استيعاب أكثر من مليونَي طن. وبالطبع، ستجد الحكومة، في عملية حسابية بسيطة، أن إعادة فتح مطمر الناعمة هو الخيار الأنسب. ولكن هل يمر الأمر بهذه البساطة في ظل أزمة خانقة في كل المجالات وحتى لا يعود نصف نفايات بيروت وجبل لبنان إلى الشوارع كما في أزمة عام 2015؟
لن يكون مقبولاً، بالطبع، الاكتفاء بإيجاد حل «طارئ» جديد، كما في كل مرة، ولا باقتراح توزيع المطامر على المحافظات والأقضية كما في كل اقتراح، ولا بالقول بأن لا أماكن للمطامر ولا بديل إلا المحارق كما يُطرح منذ عام 2010... يمكن، في ظروف استثنائية كالتي نمرّ بها، تغيير قواعد هذه اللعبة التي باتت مملّة وقاتلة. فكيف سنذهب إلى الخيارات الأغلى، كالحرق وإنشاء السدود، ونحن مفلسون؟ إذا كان لا بدّ من حل طارئ، فلن يكون مقبولاً، مهما كان، إذا لم يكن مقروناً بخيارات وإجراءات استراتيجية، مثل فرض مبدأَي التخفيف والفرز وما يتطلبانه من قوانين ومراسيم وقرارات وزارية من ضمن استراتيجية شاملة ومتكاملة تحدد المبادئ والأولويات والمهل والأهداف الواضحة... كما يفترض القيام بدراسة جدية للخطة الطارئة السابقة وتقييم أثرها، لكي يتم تحميل المسؤوليات، لناحية إنشاء المعامل وطرق الطمر والكنس والجمع والنقل والوزن وتقييم عمليات الفرز والتخمير وأسباب عدم تشغيل المعامل كافة.