بعدما بلغت الأزمة المالية ــــ الاقتصادية مبلغاً لم يعدُ بالإمكان معه التأخّر في المعالجات الكفيلة بمنع تفاقم الانهيار، ارتأت الحكومة أن الفرصة الوحيدة لاختراق الأزمة هو من خِلال طرق أبواب صندوق النقد الدولي، والذي من دونِه لا إمكانية لضخّ سيولة خارجية بالعملة الصعبة، وقد باتَت «مُلحّة» بحسب ما يروّج له المعجبون بمبدأ الاستدانة. ويبدو أن هذه الفكرة باتت رائجة عند غالبية القوى السياسية التي كانت لا تزال تعيش حالة إنكار حيال حجم الكارثة، مُفضّلة خطة مالية إنقاذية يقتنع بها صندوق النقد، بدلاً من الذهاب إلى إجراءات داخلية تغيّر النموذج القائم جذرياً، وتستطيع من خلالها سدّ الفجوة السوداء نتيجة تبديد مليارات الدولارات من حساب المودعين الذين يخضعون منذُ أشهر لقيود ظالمة تمنعهم من التصرف بمدخراتهم في المصارف، من خلال القبض على ودائعهم ومنعهم من سحب أي مبلغ بالدولار الأميركي.ومع أن رئيس الحكومة حسان دياب اعترف صباح أمس بعد جلسة مجلس الوزراء بأن «الأموال تبخّرت منذُ أشهر»، عادَ وطمأن المودعين مساءً خلال الحديث عن «خطة تحفيز وأمان اجتماعي بألف و٢٠٠ مليار ليرة سيتم إنفاقُها لتغطية أعباء مواجهة وباء كورونا، ومساعدة المياومين في القطاع العام، ودعم القطاع الصحي والمزارعين، وإعطاء المؤسسات الصناعية الصغيرة قُروضاً مدعومة لتحفيز الصناعة الوطنية»، بأن «أموالهم محفوظة، وأنه لن يتمّ المساس بها».
وكان دياب قد أعلن بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، التي انعقدت أمس في بعبدا، برئاسة الرئيس ميشال عون أنه «لم يأتِ على ذكر الهيركات»، مشدداً على أنّ أحداً «لن يخسر ودائعه، لكن موعد الحصول عليها يتوقف على خطة إعادة الهيكلة». وأكد من جهة أُخرى، أن «وزارة المالية باشرت بالتواصل مع صندوق النقد الدولي الذي لمسنا منه أصداء إيجابية على مشروع الخطة المالية». وشدد دياب على أن «ودائع ما لا يقلّ عن 98% من المودعين لن تتأثر». وقال: «كلنا نعرف البير وغطاه، حيث إنّ الأموال تبخرت منذ أشهر وقبل وصولنا إلى الحكم»، مشيراً إلى أنّ «الأموال لم تخرج كلها من لبنان، كما أن إعطاء سندات للمودعين هو خيار من ضمن الخيارات المطروحة، وقد يجد المودعون في هذه الخطوة حلاً مفيداً لهم». الكلام نفسه أعاده دياب، خلال كلمة متلفزة ليلاً، اعتبر فيها أن «البعض يتعامل مع الحكومة على قاعدة عنزة ولو طارِت»، مؤكداً «أنني لن أنزلق إلى محاولات استدراج مكشوفة إلى معارك وهمية».
وعن الخطة المالية، لفت دياب إلى أنها «تُحدد الخسائر المتراكمة في النظام المالي اللبناني، على مر السنين»، مؤكداً أن «أموال ما لا يقل عن 90 بالمئة من المودعين لن تتأثر». وأضاف: «ما زلنا نركّز على التبليغ عن الأصول والأموال المسروقة واستعادتها، ومحاسبة الذين ارتكبوا هذا الظّلم بحق اللبنانيين. وقد طلبتُ شخصياً أن يعود التحقيق والتدقيق إلى أشهر عديدة قبل انتفاضة 17 تشرين الأول. وستوضَع هذه الأموال في صندوق خاص يُستخدم بطريقة عادلة وشفافة». وقال إن «هذه الخطة هي مرحلة أولى، وهي تُقدّم سلسلةً من الإجراءات المالية، الرامية إلى تحويل عجز الموازنة إلى فائض، وتخفيض ديون الحكومة بشكلٍ جذري. هذه الديون التي ما انفكّت تزداد على مر السنين، بحيث بلغت مستوىً غيرَ قابلٍ للاستدامة، وصل إلى 176 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي».
أعلن دياب عن «خطة تحفيز وأمن اجتماعي» بألف و٢٠٠ مليار ليرة


من جهة أخرى، كانَ بارزاً التناغم السياسي بين عون ودياب ضد المصوّبين على عمل الحكومة، إذ اعتبر رئيس الجمهورية في جلسة الحكومة أن «بعض السياسيين الذين ينتقدون عمل الدولة ومؤسساتها، هم مِن الذين فتكوا بالدولة على مر السنوات، وارتكبوا المخالفات المالية وغير المالية، حتى تراكم الدين العام للدولة ليتجاوز 92 مليار دولار. وها هو هذا البعض يحاسبنا على ما ارتكبه من ممارسات»، معلناً «لا يجوز بعد اليوم السكوت على التجنّي المتصاعد».
وكانَت كتلة «الوفاء للمقاومة» قد أعلنت في بيان لها أمس «الرفض القاطع لأي طرح يهدف إلى الاقتطاع من أموال المودعين، وكل الطروحات المتداولة لترميم الوضع المالي العام على حساب أموال المودعين من جهة، وأصول الدولة من جهة أخرى».