هي مِن النوادِر. لكنها هذه المرة ليسَت بسبب «شرقية وغربية». هذه المرة بسبب حِصار من نوعٍ آخر. حِصار وبائي، دفَع بالنواب طوعاً إلى التشريع في غير مجلِسهم. فعلَها أسلافهم قبلهم، «كُرهاً». واحدة في قصر منصور (1976) لتعديل المادة ٧٣ من الدستور. وثانية في المدرسة الحربية في الفياضية لانتخاب بشير الجميل (1982)، وثالثة في ثكنة شكري غانم في الفياضية أيضاً، لانتخاب الرئيس الراحِل الياس الهراوي (1989). إذاً ليست سابِقة، مع فارِق أن البلاد في زمن انهيار مالي لا أمني، وسكانه مُهدّدون بلقمة العيش وبالحياة. ومع ذلِك، يحصل أن لا يُغيّر بعض النواب عاداتهم في تمييع النقاش. ففيما تقتضي «الضرورة» التركيز على المواضيع ذات الصلة بالجائحة وتداعياتها، والأزمة المالية ونتائجها، يأخذ بعض النواب راحتهم في تسجيل ملاحظات لا طائِل منها.في زمن الجوع، يحدُث أن يُضيِّع «سعادتهم» نصفَ ساعة من ٤ ساعات، على مُجادلة في قرض بقيمة ٤ ملايين دولار من البنك الدولي لتمويل إنتاج المواشي، بدلاً مِن النقاش في سياسة الأمن الغذائي. ٤ ملايين دولار أثارت حفيظة البعض منهم «لأننا في بلد مفلس لا يستطيع أن يستدين». 4 ملايين دولار لا تساوي شيئاً أمام القروض التي أتت وذهب أغلبها في مزاريب الهدر والفساد والمحسوبيات، والآن في عزّ الحشرة، تذكّر النواب ضرورة وقف الاستدانة. لكن النائِب فريد البستاني لم يُعجِبه الجوّ، رفَع صوته «مش مصدّق شو عم بسمَع، البلد راح ونحنا عم نحكي بـ 4 مليون للمواشي».
في زمن الألغام الصحية والاقتصادية والاجتماعية، يحدُث أن لا يُغيّر بعض النواب عاداتهم في «التنقير السياسي». فمثلاً، أولاد العم في بيت الجميّل أرعبهم مشهد «العناصر المدنية المسلّحة خارج مبنى الأونيسكو، وكأننا مش بدولة». وهل في مفهوم الدولة أن تنتشِر عناصر مدنية حزبية مسلّحة لحماية بيوت العائلات السياسية في بكفيا وغيرها؟ انزعاج استمرّ التعبير عنه بعد تأكيد رئيس المجلس أن العناصر إما تابِعة لقوى الأمن الداخلي أو لشرطة المجلس.
في زمن إذلال الناس على أبواب المصارِف، يحدُث أن «تتعَفّف» النائبة بولا يعقوبيان، صديقة أصحاب المصارف ورؤساء جمعياتها، في نقاش قانون محاربة الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مُطالبة بانتخاب الأعضاء لا بتعيينهم. ويحدُث أن تعترِض النائبة رولا الطبش على فكرة حصر «استقلالية أعضاء الهيئة بآخر خمس سنوات» لأنه لا يجوز أن يكون للعضو نشاط حزبي وسياسي سابق «لضمان الشفافية». استماتة كتلتها النيابية في الدفاع عن أحد نواب الحاكم «المستقلّين» يسمَح لها بذلِك، كما يسمح لنائب من كتلة نيابية أخرى (هاغوب بقرادونيان) بأن يستشيط غضباً لأن عدد أعضاء الهيئة ستّة لا سبعة، فمحاربة الفساد لا تتحقق إلا باعتماد منطق المحاصصة الطائفية. يحدُث كل ذِلك في هيئة عامة، يأتي النواب إليها لاستعراض المواقِف، مع أن الاقتراحات «أُشبِعت درساً في اللجان النيابية والمشتركة والفرعية» كما قال النائب حسن فضل الله.
هذه عيّنة ممّا حصل أمس خلال أوبرا نيابية منكوبة بأصوات النشاز، في إحدى قاعات مبنى الأونيسكو، حيث انعقدت الجلسة التشريعية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، نظراً إلى عدم القدرة على اتخاذ الإجراءات الوقائية المُناسبة في ساحة النجمة.

الجميع خضع للتعقيم...
الطُرقات إلى هناك مُقفلة بالكامل، ينتشِر فيها عناصِر القوى الأمنية. صحافيون وسياسيون وعاملون وأمنيون كلّهم خضعوا لإجراءات التعقيم، فيما الكمامات «والكفوف» تحوّلت إلى «اكسسوار» إلزامي. في داخلِ القاعة، الوقاية شملَت المسافة. 10 مقاعد وأكثر بينَ النائب وزميله. فيما توزّع الوزراء على ١٤ طاولة يفصِل بين الواحدة والأخرى متر ونصف متر، بينما ٤ وزراء آخرين ألزموا بمقاعد جانبية نظراً إلى ضيق المسافة. المساحة الكبرى انسحبَت فوضى في الكلام والصراخ «والشوبرة»، إذ واجه النواب صعوبة في طلَب المُداخلات وتسجيل الأسماء والحصول على الميكروفون الخاص بهم. وفي أكثر من مرة، اشتعل سجال لشعور البعض بالمظلومية والاستهداف، لأن صوته لا يُسمع وطلبه لا يُستجاب. على سبيل المثال، اعترضت النائبة بهية الحريري على النائب آلان عون «لأنه تجاهل طلبها» ــــ بصفته عضواً في هيئة مكتب المجلس ــــ واتهمّته بتسجيل «أسماء من يريد»، فردّ بالقول «كلنا متساوون هنا، ولا أمنع أحداً من الكلام». بينما كانَ لافتاً اختلاف نسخ مشاريع واقتراح القوانين الموجودة بينَ أيدي النواب والوزراء، إذ اتّضح بعدَ تدخّل عدد من أصحاب المعالي خلال التعليق على المواد بأنها سبقَ أن عُدلت!

إقرار القوانين...
في الجولة الصباحية، أقر النواب 16 مشروع قانون من أصل 66 بنداً موزعة بين مشروع واقتراح مدرجة على جدول الأعمال. وأعاد المجلس الى الحكومة اتفاقية القرض مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية لتعزيز إنتاج المواشي بعدما سحب رئيس الحكومة حسان دياب المشروع لتحديد آلية الصرف ودرسه. وأقرّ المجلس اتفاقية قرض مقدم من البنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان، بعدَ توضيح من وزير الصحة حمَد حسن (الذي حازَ تنويهَ نواب من مختلف الكتل السياسية)، بأن «المراسلات بيننا وبين البنك الدولي 45 مليون دولار. 5 ملايين دولار لبناء الخدمات، 40 مليون دولار لمواجهة كورونا، ونحن نوزع على المستشفيات بشكل عادل. فالمستشفيات في كل المناطق أبدت القدرة على مواجهة الوباء. وبناءً على الدراسة التي وضعت، وهي دراسة مبدئية، حدّدنا احتياجاتنا، واستدراج عروض عبر مؤسسات دولية وفق المواصفات، حتى لا تكون الأزمة باباً للهدر». ومن الاقتراحات المهمة التي جرى إقرارها، اقتراح تعديل المادة 61 من قانون الموظفين المقدم من النائِب فضل الله، حيث لم يعُد بالإمكان تجاهُل طلب ملاحقة أحد الموظفين أمام القضاء. ففي حال مرور 15 يوماً على عدم إجابة الجهة المختصة، يرفُع الطلب إلى المدعي العام التمييزي، وإذا تجاهَلَه الأخير، يُصبِح الطلب نافذاً بعدَ 15 يوماً. لكن هذا القانون يبقى ثانوياً أمام اقتراح قانون تعديل الدستور ليُصبح متاحاً ملاحقة الوزير أمام القضاء، لا حصر تلك المهمة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. فهذا الاقتراح الذي سيُناقَش اليوم، قدّمه النائبان فضل الله وهاني قبيسي، لكنّ عدداً من الكتل تعارضه، من دون أن تعلن موقفها بهذا الشأن. ومن دونه، يكاد يكون مستحيلاً التمكّن من ملاحقة أيّ وزير حالي أو سابق أمام القضاء.
تشريع زراعة «القنّب الهندي» باعتراض حزب الله والطاشناق والجسر


وجرى تعديل الاقتراح المقدّم من تكتل «لبنان القوي» بشأن مشروع القانون المتعلق بعدم فرض ضريبة القيمة المضافة على الهبات المقدمة إلى الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات للمساعدة بمواجهة كورونا، إذ صار الإعفاء مشروطاً بالحصول على موافقة مجلس الوزراء. إذ اقترح النائب ابراهيم كنعان الإعفاء من كل الرسوم، لكن النائب فضل الله اعترض لأن ذلِك يفتح الباب على التهرب الضريبي أمام كثُر، فجرى إقراره كما جاء مقدماً من الحكومة.

العفو العام إلى اللجان المشتركة...
اقتراحا قانون كانا من المتوقّع أن يكونا شرارة سجال حادّ في الجولة المسائية للجلسة التشريعية، لكنهما سلكا على غير ما هو متوقع. فقد أقر مجلس النواب اقتراح قانون زراعة القنب الهندي (الحشيشة) «للأغراض الطبية»، مع تسجيل كتلة «الوفاء للمقاومة» عدم الموافقة عليه بسبب «عدم وجود جدوى اقتصادية والمردود المالي غير واضح». كذلك اعترضت عليه كتلة الطاشناق والنائب سمير الجسر. أما اقتراح قانون العفو العام، فسقطت عنه صفة العجلة، وأحال الرئيس بري كل اقتراحات القوانين المتعلقة بالعفو العام على اللجان المشتركة (مشاريع القوانين مقدمة من النواب: بهية الحريري وياسين جابر ونجيب ميقاتي وجميل السيد) مع تحديد مهلة 15 يوماً للانتهاء من دراسته. وجدير بالذكر أن اجتماعات بين نواب من مُختلف الكتل عُقدت بين الجولتين، أفضت إلى هذه الإحالة. كما أحيل اقتراح قانون الإثراء غير المشروع الى اللجنة الفرعية التي يرأسها كنعان والتي تبحث منظومة القوانين المرتبطة بالإثراء ورفع السرية المصرفية!