المحامي جورج نصري فرحاتأطلّت علينا وسائل الإعلام منذ أيام معدودة بخبر مفاده ضبط ثماني شاحنات محمّلة بالمخدّرات من نوع حشيشة الكيف ومعدات للتصدير إلى الخارج... فالسؤال المطروح هل يعود للدولة اللبنانية التصرف فوراً بهذه المخدّرات (وبغيرها من تلك المضبوطات في عملية أخرى وتلك التي سيتم ضبطها) ببيعها إلى الخارج لغاية طبية وعلمية وبطريقة علنية ومشروعة، ما يحقق لها مدخولاً هي في أمسّ الحاجة إليه وهو يُقدر بملايين الدولارات الأميركية، ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان... أم أن مصير هذه المضبوطات هو إتلافها؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من استعراض المواد القانونية التي ترعى المصادرة.
نصّت المادة 98 من قانون العقوبات تحت عنوان «التدابير الاحترازية العينية» على التالي (فقرة أولى):
«يصادر من الأشياء ما كان صنعه أو اقتناؤه أو بيعه أو استعماله غير مشروع وإن لم يكن ملكاً للمدّعى عليه أو المحكوم عليه أو لا تقضي الملاحقة إلى حكم».
كذلك، فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 273 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التالي:
«إذا ثبت للمحكمة وقوع الفعل وتحقق فيه الوصف الجزائي وتوفرت الأدلة على نسبته للمتهم فتقضي بتجريمه وبتجميد العقوبة التي تنزلها فيه، كما تحكم بتعويضات للمدعي الشخصي إذا طلبها وتحكم «بمصادرة الأشياء المضبوطة أو بردّها إن لم يتوفر سبب لمصادرتها...».
أما الفقرة الأولى من المادة 155 من قانون المخدّرات فقد نصّت على التالي:
«في جميع الحالات تأمر المحكمة بمصادرة النباتات والمواد الممنوعة إذا كانت قد ضُبطت ولم يتم إتلافها أو تأمر بتسليمها إلى هيئة مرخّص لها لاستخدامها بطريقة مشروعة».
بعد عرضنا للمواد المتعلقة «بالمصادرة» وقبل الإجابة على السؤال الذي طرحناه، لا بدّ من إبداء الملاحظات التالية:
أ- عند التعارض بين نص عام ونص خاص يُعمل بالنص الخاص، والمادة 155 من قانون المخدّرات هي نص خاص بالنسبة إلى المادة 98 من قانون العقوبات والمادة 273 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، مع الإشارة إلى أن المادة 155 مخدرات أتت بإضافة وهي حق المحكمة، وبعد أن تأمر بالمصادرة، بتسليم المخدرات المضبوطة لاستخدامها بطريقة مشروعة.
مع الإشارة إلى أن المادة 155 المذكورة، بما نصت عليه لجهة تسليم المخدرات «إلى هيئة مرخّص لها لاستخدامها بطريقة مشروعة»، تكون قد دلّت صراحةً على ميل المشترع اللبناني للاستفادة من المواد المخدرة المضبوطة لغايات طبية وعلمية بدلاً من إتلافها.
مؤكدين في هذا الصدد أن الأولوية هي لمصانع الأدوية في لبنان إذا كانت تنتج أدوية تستدعي استعمال المواد المخدرة المضبوطة، بحيث تمنح لها مجاناً مقابل تخفيض سعر الدواء، أما الباقي من هذه المواد، أو في حالة عدم حاجة مصانع الأدوية في لبنان إلى هذه المواد فتباع إلى الخارج وفقاً لما سيأتي بيانه .
ب- إن إتلاف المخدرات المضبوطة قبل صدور حكم يبقى أمراً نظرياً لأسباب عدة، منها عدم تحديد المادة 155 المذكورة الجهة المخوّلة إتلاف المخدرات المضبوطة ولأن هذه الأخيرة تشكل «المادة الجرمية»، أي الإثبات والدليل للتجريم، فإتلافها قبل صدور الحكم قد يشكل عائقاً للتجريم (إلا في حالة اعتراف المتهم الصريح بأن المادة المضبوطة هي من نوع المخدرات وحصول فحص مخبري لعينة من المضبوطات بأمر من المحكمة)، لذا فإن كل الأحكام الصادرة من محاكم الجنايات تقضي، في فقرتها الحكمية، بمصادرة المخدرات وإتلافها.
ج- إن ما نصت عليه المادة 155 مخدرات لجهة الحق المعطى للمحكمة بتسليم المخدرات المضبوطة إلى «هيئة مرخّص لها لاستخدامها بطريقة مشروعة» يبقى بدوره أمراً نظرياً لحد ما، أقله لأن المحاكمات الجزائية في قضايا المخدرات تطول في الزمن (من دون أن ندخل في تفاصيل هذا التأخير) الأمر الذي يجعل المخدرات المضبوطة (منذ زمان) غير صالحة لأي استعمال طبي أو علمي.
وخلاصة هذه الملاحظات تؤكد على أن مصير كل المخدرات المضبوطة (من قبل الضابطة العدلية) والمصادرة (بعد زمان من المحكمة) هو تلفها أو إتلافها (هذا إذا ما امتدت يد السوء عليها تحقيقاً لمنافع شخصية) الأمر الذي يحرم الدولة اللبنانية من بيعها إلى الخارج لغاية طبية وعلمية.
إزاء ما تقدم،
وعملاً بمبدأ (الضرورات تبيح المحظورات) الجائز تطبيقه في المسألة المطروحة،
وعملاً بمبدأ «المصلحة الوطنية العليا RAISON D›ETAT» الذي يفرض على الدولة اللبنانية المحافظة على أموالها من خلال لجوئها إلى وسائل مشروعة وإن كان غير منصوص عليها قانوناً.
ونظراً إلى كون المخدرات المضبوطة هي مال منقول تعود ملكيته إلى الدولة البنانية،
ونظراً إلى حاجات بعض الدول الأجنبية (أو مختبرات أو مصانع أدوية أجنبية) لاستعمالها لغاية طبية وعلمية،
ونظراً إلى حاجات الدولة اللبنانية إلى مداخيل بالعملات الصعبة،
فلهذه الأسباب مجتمعة يقتضي أن تعمد الدولة اللبنانية، الممثلة بالحكومة، بطرح المواد المخدرة المضبوطة لبيعها إلى الخارج، بعيد ضبطها على أن تعتمد قبل ذلك وبشكل أساسي الآلية التالية:
1- إجراء فحص مخبري لعينة من المخدرات المضبوطة (بواسطة المختبر المركزي) وتسليم نتيجة الفحص المخبري والعينة إلى المحكمة الناظرة في الدعوى كدليل على التجريم.
يتم الفحص المخبري عفواً بإشراف النيابة العامة الاستئنافية بأن تقوم الضابطة العدلية بإرسال عينة من المواد المضبوطة إلى المختبر المركزي.
2- تناط عمليات بيع المخدرات المضبوطة برئيس الحكومة وبوزراء الصحة والعدل والمالية متحدين.
3- على اللجنة الوزارية المشار إليها أعلاه أن تستمع إلى رأي أصحاب مختبرات في لبنان مشهود لهم لتحديد نوع المخدرات المضبوطة وجودتها وصلاحيتها وبالتالي ملاءمتها لتكون موضوع بيع (يصار إلى إتلاف الرديئة منها).
4- يصار إلى بيع المواد المخدرة المقبولة، بشكل حصري، من دول أجنبية أو من مصانع أدوية أو مختبرات أو ما يماثلها شرط أن توافق حكوماتها خطياً على عملية الشراء.
5- تتم عملية البيع من دون إجراء «مزايدة دولية» (وفراً للوقت) وفقاً للأسعار الرائجة عالمياً على أن تحدد اللجنة الوزارية مسبقاً السعر الأدنى للجميع.
6- إعمالاً لمبدأ الشفافية وحق المواطن في الوصول إلى المعلومات تنشر كل عمليات البيع، على حدة، في الجريدة الرسمية على أن يتضمن الإعلان، أقله نوع المخدرات، وزنها، ثمن المبيع والجهة الشارية.
7- إمكانية تخصيص المبالغ الناتجة عن بيع المخدرات المضبوطة لوجهة معينة، مثل أن يكون جزء منها مخصّصاً لتمويل بناء سجون جديدة وفقاً للمعايير العالمية.
كما سبق وبينّا في الأسباب الموجبة، فإن الضرورة تحتم اللجوء إلى هذا الخيار المبرّر، ويعود للمجلس النيابي حين تتسنّى ظروف انعقاده (المرجح أن لا يعتبر المسألة المطروحة من الأوليات) أن يعمد إلى تعديل المادة 155 من قانون المخدرات بإضافة عليها ما أوردناه في هذه الدراسة، وذلك بمفعول رجعي بدءاً من تاريخ أول عملية بيع.
ونشير أخيراً إلى أن لا تعارض بين قانون تشريع زراعة الحشيشة لتعود الدولة وتشتري «المحصول» لبيعه إلى الخارج لغاية طبية وعلمية واقتراح بيع المخدرات المضبوطة (وإن كانت الغاية هي ذاتها)، فالاقتراح الأول يتناول السماح بزراعة حشيشة الكيف حصراً، أما القانون الجديد فهو يتناول كل أنواع المخدرات ذات الفائدة الطبية والعلمية وبعد ضبطها أي بعد أن أصبحت ذات كيان قائم.