مع ذلك، كشف معلقون أساسيون في الشؤون الامنية الرسائل التي حضرت في تل أبيب، انطلاقاً من إدراكهم أن ما جرى على الحدود لم يكن سوى رد على الاعتداء الذي استهدف آلية تابعة لحزب الله على الحدود اللبنانية - السورية. فقد اعتبر معلق الشؤون الامنية في صحيفة «معاريف»، طال ليف رام، أن الأمين العام لحزب الله أراد التأكيد لإسرائيل أنه «حتى في هذه الأيام الصعبة التي تمر على لبنان، لن يتردد في الرد على أي مس بالحزب، ولو بثمن حدوث تصعيد». وقارن طال رام بين الرسائل الميدانية لعملية السياج وعملية حزب الله قرب مستوطنة افيفيم في ايلول الماضي، لجهة أن أي رد يمكن أن يحدث سيكون على طول الحدود وليس فقط في مزارع شبعا، وهو من أخطر العوامل الكابحة لخيارات العدو العدوانية. وأضاف أن المسؤولين في اسرائيل «يشعرون بالقلق من كون حزب الله يحاول أن يبلور معادلة رد جديدة أشد حدة»، ويعني ذلك أن هذه الرسائل ستحضر في اعتبارات المستويين السياسي والامني لدى دراسة أي خيارات عدوانية لاحقاً. وخلص الى أن «المعادلة بين إسرائيل وحزب الله واضحة: أي إصابات في صفوف أحد الجانبين ستؤدي إلى تصعيد فوري للأوضاع في الجبهة الشمالية». لكنه أكد ثبات معادلة الردع المتبادل، إذ إن الجانبين أثبتا أكثر من مرة أنهما غير معنيين بالتصعيد، محذّراً من امكانية حدوث التصعيد رغم حرص الطرفين على تجنبه.
وفي إطار التفسير للسياسات العدوانية الاسرائيلية، ومن ضمنها العملية الاخيرة التي استهدفت الآلية في سوريا، أوضح طال رام أن «ثمة من يعتقد في إسرائيل أن الضائقة الاقتصادية والصعوبات في لبنان تشكل فرصة لممارسة ضغط عسكري أكبر على حزب الله»، في إشارة الى رهان على أن هذا الوضع قد يُسهم في كبح الحزب وردعه عن الرد على الاعتداءات الاسرائيلية، بما يوسّع هامش المبادرة العدوانية الاسرائيلية. لكن يبدو أن رسائل عملية السياج أجهضت هذا المستوى من الرهان، إذ رأى المعلق العسكري في «القناة الـ13»، ألون بن ديفيد، أن «ما بدأ كمحاولة إسرائيلية لتوجيه رسالة شديدة ورادعة لحزب الله (من استهداف السيارة في سوريا) انتهى بردّ جريء من المنظمة، التي تذكّرنا بأننا نحن أيضاً مردوعون»، مشيراً أيضاً الى أنه «في رعاية الوباء الذي يعتّم على كل شيء، ابتُلعت الرسالة الخطيرة» في اسرائيل.
مع ذلك، يؤكد طال رام أن «التقديرات السائدة في إسرائيل أنه في حال تفاقُم الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ستتسع حملة الاحتجاج الاجتماعية، وسيخرج السكان مرة أُخرى إلى الشوارع وتندلع تظاهرات عنيفة. وعلى خلفية ذلك، يبدو أن نصر الله معنيّ بأن يوضح أنه لا يخشى من وقوع مواجهة مع إسرائيل»، فيما أقرّ بن ديفيد بأن حزب الله نجح في أن يفرض على اسرائيل تجنب استهداف لبنانيين، إدراكا منها أن ذلك سيعرضها لـ«رد فتاك على الحدود الشمالية، حتى لو وقع على الأراضي السورية».
نصر الله معنيّ بأن يوضح أنه لا يخشى من وقوع مواجهة مع إسرائيل
وتوقف في هذا السياق عند الهجوم الذي استهدف الآلية التي كانت تقل عناصر من حزب الله، مشيراً الى نموذج عملي يجسد هذا المفهوم، وهو أن «الشباب الذين كانوا في السيارة ترجلوا منها براحة، وليس بذعر، ثم عادوا بعد ثوان كي يخرجوا الحقائب التي تركوها». وكشف بن ديفيد أن في إسرائيل من راودته نفسه بأن من كانوا في السيارة لن يعودوا للعمل مرة أخرى، بعد هذه الضربة. لكن «ما ظهر في الفيلم هو العكس تماماً»، في إشارة الى إدراكهم أن اسرائيل لا تجرؤ على قتلهم، ولذلك اعتمدت تكتيك «نقر على الطريق» (إطلاق صاروخ أمام السيارة قبل استهدافهم). وشدّد بن ديفيد على أن «هذه الأحداث لم تردع حزب الله، وليس لديه نية للتنازل، وإسرائيل ليس بمقدورها التنازل في هذا الموضوع». وأجمل المفاعيل المباشرة لرسالة السياج بلحاظ سياقها الميداني والاستراتيجي، مؤكداً ضرورة أن يستخلص منها الجيش العبر التكتيكية المتصلة بحماية الحدود... «وفي البعد الاستراتيجي، هذه الحادثة تتطلب من الجيش أيضاً إعادة التفكير في سياسة العمل ضد حزب الله وعناصره، (إذ) من الصعب إدارة سياسة هجومية فعّالة من دون مجازفات».