انتهى الأمر. إدارة قطاع الخلوي ستعود إلى الدولة. تلك خلاصة اللقاءات المكثفة التي عقدت على أكثر من اتجاه تقني وسياسي، توجت أمس بزيارة الوزير طلال حواط للسراي الحكومي لإبلاغ الرئيس حسان دياب بقراره. والأخير، كان سبق أن أوضح أنه مع تطبيق القانون في هذا المجال، فبارك الخطوة.خرج حواط من اللقاء، واتصل بالنائب فيصل كرامي، الذي سارع إلى إعلان الخبر بتغريدة عبر تويتر، جاء فيها: «مبروك للبنان واللبنانيين استرداد إدارة قطاع الخليوي والخير لقدام».
تلك التغريدة شكّلت مفاجأة لجميع العاملين في القطاع، والذين لم يكونوا على دراية بالخطوة. لا هيئة مالكي قطاع الخلوي في وزارة الاتصالات، ولا إدارة الشركتين. الجميع سمع بالخبر عبر الإعلام.
مصادر وزير الاتصالات أعادت تأكيد أن الخبر لم يبلّغ لأحد قبل إبلاغه إلى رئيس الحكومة. يبقى أن يبلّغ به مجلس الوزراء اليوم، على أن يعمد بعد ذلك إلى مراسلة شركتي «أوراسكوم» و«زين» بقرار الاسترداد. بحسب المادة 31 من العقد الموقّع مع الشركتين، يفترض أن يتم الاسترداد خلال 60 يوماً من تاريخ التبليغ.
ما الذي غيّر رأي حواط الذي سبق أن نُقل عنه أنه يؤيّد التمديد للشركتين؟ تجزم مصادر وزير الاتصالات بأن الأمر لم يكن كذلك يوماً. بل على العكس، هو كان حريصاً على عدم الإفصاح عن توجهه، إلى حين تهيئة الأرضية اللازمة لذلك، إلى حين الحصول على التغطية السياسية المطلوبة لخيار كهذا. يستشهد المصدر بموقف أعلنه كرامي قبل نيل الحكومة الثقة مفاده أن الأولوية هي لاسترداد القطاع، تنفيذاً للقانون. مع ذلك، فقد كان أداء حواط يشير إلى عكس ذلك الاتجاه. المواقف التي نقلت عنه كانت واضحة ومفادها أن الدولة مدير سيّئ. وعلى هذا الأساس كان التواصل مع الشركتين، خلال طيلة الفترة الماضية، يركّز على التمديد وكيفية تعديل العقد. لذلك، كان الإعلان عن الاسترداد مفاجأة للجميع. هذا لم يعد مهماً. في أول تصريح له بعد تسريب الخبر، أعلن حواط لـ«الجديد» أن الاسترداد خطوة في الاتجاه الصحيح، مشيراً إلى أنه بعد إبلاغ مجلس الوزراء سيبدأ العمل مع الشركتين لاسترداد إدارة القطاع، على أن يلي تلك الخطوة بدء الإعداد لدفتر شروط جديد تجرى على أساسه مناقصة الإدارة. تفاصيل تلك الخطوات يتوقع أن يعلنها حواط في مؤتمر صحافي يعقد هذا الأسبوع.
لا يخفى على أحد أن كثراً في السلطة وخارجها، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر، كان معارضاً للاسترداد. ولذلك كان المطلوب، على ما يبدو، هو تهيئة الأرضية اللازمة للتنفيذ. وهنا لعب رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية حسين الحاج حسن دوراً بارزاً في إزالة الألغام من أمام الاسترداد، علماً بأن المعطيات كانت مغايرة قبل أسبوعين. في الاجتماع الذي جمع الحاج حسن وحواط، في 6 نيسان الحالي، خرج الحاج حسن مقتنعاً بأن حواط يريد التمديد للشركتين. تلك القناعة بدت عامة حينها، إلى درجة تجرّع الوزير السابق للاتصالات محمد شقير الخدعة، فاحتفل بقرار التمديد، ظناً منه أنه حتمي. قال في 13 نيسان إن مجلس الوزراء يتجه إلى تمديد العقدين، ليخلص إلى أن طرح الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى عرقلة هذه العملية من اليوم الأول لطرحها.
الاسترداد خلال 60 يوماً... وبعده دفتر شروط مناقصة جديدة


في النتيجة، إن قرار حواط يمثّل التزاماً حرفياً بالقانون. هيئة الاستشارات والتشريع أعلنت في بداية شباط أن الاسترداد حتمي وفوري. بعد سؤال رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسين الحاج حسن (بناءً على توصية من اللجنة): هل يحتاج استرداد إدارة القطاع في ظل عدم التمديد للشركتين الخلويتين إلى قرار مجلس الوزراء؟، كان جواب الهيئة هو التالي: «يتوجّب على وزارة الاتصالات ممثلة بشخص الوزير أن تبادر، وبشكل فوري وتلقائي، ومنذ الساعة الصفر ليوم الأربعاء الواقع فيه 1/1/2020، إلى اتخاذ الإجراءات الإدارية والعملية كافة لاستلام إدارة القطاع الخلوي، على أن تتولى وزارة الاتصالات بواسطة المديرية العامة للاستثمار والصيانة مهمة الإدارة، من دون الحاجة إلى أي ترخيص أو موافقة يصدران عن أي مرجع آخر، سواء في السلطة التنفيذية، القضائية أم التشريعية».
ما حصل أمس يمثّل نموذجاً في تضافر الجهود الرسمية والقانونية والأهلية لتحقيق المصلحة العامة. لجنة الاتصالات النيابية، برئاسة الحاج حسن، وضعت استعادة القطاع هدفاً لها. حزب الله بدوره خاض مفاوضات مع مختلف القوى على قاعدة أن «الموضوع استراتيجي وأساسي في مكافحة الفساد، ويجب الحسم».
كذلك، فإن للتحركات الشعبية التي قادتها مجموعة «وعي» أمام وزارة الاتصالات ومنزل حواط في طرابلس، تأثيرها أيضاً. المسألة لم تنته بعد، تقول الناشطة نعمت بدر الدين، كسبنا جولة وأمامنا جولات عديدة. لذلك، أشارت إلى مؤتمر صحافي سيعقد يوم غد للمطالبة بتفعيل دور الهيئات الرقابية، وضبط الإنفاق في الشركتين، ووقف التوظيف السياسي، والأهم الدعوة إلى مصادرة الكفالات التي دفعتها الشركات، لما تسببت فيه من هدر للمال العام. الهدف الأول تقديم نموذج لحسن إدارة الدولة للقطاعات الحيوية. وذلك تحدّ لكل المنطق الذي انتشر أمس بين سياسيين وناشطين، ومفاده أن كارثة حلّت بالقطاع بقرار استرداد الدولة له.