في الدعاية الرائجة دفاعاً عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تحضر أكثر من «خبرية» كاذبة. أبرز تلك الأكاذيب تُقال كمسلّمة، وكما لو انها الحال الطبيعية في انحاء العالم. يُقال إن المودعين وضعوا أموالهم في عهدة المصارف، وان المصارف وضعت ذلك المال في عهدة مصرف لبنان، وأن الاخير موّل الدولة، وان الاخيرة أهدرت المال فـ«طارت» الودائع.في الحقيقة، المصارف وضعت الجزء الأكبر من الودائع في مصرف لبنان، وأقرضت جزءاً آخر للدولة (سندات خزينة ويوروبوندز). لكن المصارف وحدها، لا شريك لها، تتحمّل مسؤولية ذلك. فهي، وبدلاً من منح الودائع للأفراد والشركات والمؤسسات كقروض تساهم في نموّ الاقتصاد والتصدير وخلق فرص عمل، قررت «الاستثمار» في دين الدولة، وفي مصرف لبنان. لا يوجد أي نص قانوني ألزم المصارف بما قامت به. كان خيارها الأول. وهي تصوّره اليوم كما لو انها فعلت ذلك مكرهة، وانها كانت راغبة بعدم القيام به. لكن في الواقع، المصارف فعلت ذلك طمعاً واستسهالاً. فهي طمعت بالفوائد السخية التي كانت تدفعها لها الدولة. أكثر من 65 في المئة من مداخيل المصارف أتت من تعاملها مع «الدولة». هي قررت ألا تقوم بأي جهد ذي نتائج اقتصادية إيجابية، واستسهلت وضع الاموال في الخزينة ومصرف لبنان. وبدلاً من ضخ الاموال في السوق، لخلق قيمة مضافة وفرص عمل وسلع وخدمات تُستهلك في السوق الداخلية وللتصدير، قررت الانتشاء بنحو 89 مليار دولار حصلت عليها من الدولة، كفوائد على الدين العام. وعندما انهار النموذج، خرجت لتقول إن الدولة أهدرت المال.
مصرف لبنان أيضاً، لم يموّل الدولة بالمجان. في شباط الفائت، بلغ مجموع قيمة سندات الخزينة التي يحملها أكثر من 50 ألف مليار ليرة. ورغم أن هذا الرقم لا صلة له بـ«تبخّر» الودائع بالدولار، فإن ما تجدر الإشارة له هو ان هذا «الاستثمار» حقق لمصرف لبنان دخلاً قدره نحو 12 ألف مليار ليرة، منذ العام 2016 فقط. وهذا الدخل متأت من إقراض الدولة بالليرة، وهو غير الدخل الذي تحقق من إقراضها بالدولار (سندات اليوروبوندز). خسائره التي يريد إخفاءها أتت، بالدرجة الاولى، من الأرباح التي حققها للمصارف وكبار المودعين، بالدولار. ثمة خلط متعمّد هنا بين الودائع بالليرة، وبين الودائع بالدولار التي جرى «إهدارها»، في «مزاريب» شتى، أبرزها الهندسات المالية والفوائد التي يدفعها مصرف لبنان لقاء الودائع التي وضعتها المصارف في عهدته. فكل ما يحمله مصرف لبنان من سندات اليوروبوندز حالياً، لا يتجاوز الـ5.7 مليار دولار، وتدر عليه دخلاً سنوياً بمئات ملايين الدولارات (لو ان الدولة لم تتوقف عن الدفع، لحصّل العام الجاري نحو 420 مليون دولار كفوائد على سندات اليوروبوندز). أي أن لمصرف لبنان اليوم ديناً على الدولة يبلغ 5.7 مليار دولار فقط، فيما المصارف أودعت عنده اكثر من 80 مليار دولار. هذا مع العلم أن جزءاً من هذه السندات اشتراها «المركزي» من المصارف ليؤمن لها سيولة بالدولار، او من السوق عندما كانت أسعار السندات تتراجع، ولم يُقرضها للدولة.