في أربع سنوات، بدّل الحزب السوري القومي الاجتماعي أربعة رؤساء. الرئيس الرابع، فارس سعد، طوى رسمياً أمس مدّة ولايته القصيرة في «مركز الروشة»، بعد اجتماع للمجلس الأعلى لـ«القومي» ليوافق على الاستقالة. وسيتولى مهام الرئاسة في الأشهر الثلاثة المقبلة، نائب رئيس الحزب وائل حسنية. لم يعد الأمر يتعلّق بـ«ديمقراطية داخلية» أو بـ«حيوية حزبية»، غير موجودة في أحزاب أخرى عاملة في لبنان، بل هو انعكاسٌ لأزمة قومية عميقة ضلّت طريقها نحو الحلّ، في مرحلة إقليمية تتطلّب من حزب أنطون سعاده أن يكون على قدر المسؤولية التي أُسّس لأجلها.قبل أربعة أشهر، قدّم رئيس الحزب (سعد) استقالته من مهامه. رفض رئيس المجلس الأعلى، النائب أسعد حردان بتّها، مُحاولاً حتى الأيام الأخيرة عقد «تسوية» مع سعد، تؤدّي إلى عودته عن قراره، من دون أن يفلح. بقي سعد مُصرّاً على تطبيق الخطة الداخلية التي وضعها، وإعادة تقريب القوميين المُعتكفين في بيوتهم، وتفعيل عمل الحزبيين في الاغتراب. بالتزامن، لم يُطالب سعد «بتغيير جذري داخل الحزب، بل فقط بتسمية بعض العُمد، فقيل له بوضوح إنّه ممنوع المسّ بعمدة الدفاع». ثم رُفض أكثر من مرة طلبه تبديل عُمد المالية والداخلية وشؤون وراء الحدود، «حتى يتمكن من تنفيذ مهامه، والإعداد للمؤتمر الذي سيُنتج قيادة جديدة». تقول المصادر المُطلعة إنّه في كلّ مرة «كان يتم وعد سعد بأنّ التغيير سيحصل ولكن ليس حالياً، فعاش أشهراً على هذه الوعود». بقي المدّ والجزر بوتيرة منخفضة، إلى أن نُظّمت انتخابات المندوبين إلى المجلس القومي في تشرين الأول 2019، «وسُجّلت مخالفات قانونية عديدة، أكان في القوائم الانتخابية أم عبر ممارسة الضغوط على القوميين. وأدّت المخالفات إلى تقديم طعن في انتخابات منفذية السلَمية في سوريا، لم تبتّه المحكمة الحزبية». عاد سعد وطلب تبديل عُمد الدفاع والداخلية وشؤون عبر الحدود، بسبب دورهم في هذه الانتخابات «والتحكّم في أمن الحزب ومحاولة منع وكلاء ومنفذين من الدخول إلى مركز الحزب. قيل وقتها إنّ ما حصل خطأ، ولكن من أخطأ يجب أن يُحاسب». أمام صمّ الآذان لمطالبه، تقدّم فارس سعد باستقالته.
قبل أسبوعين أُعيد الحديث بقوة عن الاستقالة، مع إصرار سعد على إقالة كلّ من عميدي الداخلية معتز رعدية وشؤون عبر الحدود إيلي خوّام. خلال جلسة الأسبوع الماضي، رفض حردان أن يُدرِج الاستقالة على جدول أعمال المجلس الأعلى، خلافاً لما حصل أمس. ليس الطريق المسدود مع سعد هو الذي دفع بحردان إلى تلاوة الاستقالة، بل المطبات الأخيرة التي تركت ندوباً داخل الحزب: المُشاركة في «اللقاء الأرثوذكسي» في مطرانية بيروت للمُطالبة «بحقوق طائفية»، وتمديد ولاية المجلس الأعلى (كانت تنتهي في 12 حزيران) لشهرين بطريقة غير دستورية لعدم توافر النصاب والاستعانة بـ«سكايب» للتواصل مع بعض الأعضاء، وتعيين موعد الانتخابات والمؤتمر الحزبي في 12 آب من دون أن يكون «مكتب المؤتمر» على علم بذلك، بحسب المصادر، التي تؤكّد أنّه «في الظروف الحالية، نحن بحاجة إلى سنة حتى يتم الإعداد ونشر الدعوات».
دعا المجلس الأعلى إلى مؤتمر قومي في آب من دون علم «مكتب المؤتمر»


التمديد للمجلس الأعلى أجّج صراعاً جديداً بين القوميين، فانطلق عُمد وحزبيون لتبادل التهم على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أصدرت «المعارضة الداخلية من أجل الاصلاح والوحدة» بياناً تُدين فيه قرار التمديد «من دون اكتمال النصاب الدستوري، متخطّية القواعد والأصول، فأجازت لنفسها تعطيل الإعداد والتحضير اللازمين للمؤتمر القومي، فامتنعت عن تعميم الدعوة التي وجّهها رئيس المؤتمر لتقديم الدراسات والمقترحات من القوميين». وقد اعتبر البيان أنّ تحديد تاريخ المؤتمر في 12 آب، «يُطيح حقّ القوميين في عقد مؤتمرات فرعية... بما يكشف أنّ الهدف الوحيد لهذه القيادة هو إعادة إنتاج القيادة الجديدة على مقاسها». وختم البيان بالدعوة «للمبادرة لإنقاذ حزبكم... إننا جادون في توسيع تحركنا واتصالاتنا ليشمل العدد الأكبر والأوسع منكم».