حقّقت شركات التأمين، خلال أيام قليلة، إيرادات ضخمة مستغلّة خشية الزبائن من ارتفاع سعر صرف الدولار، وانعكاسه على كلفة التأمين الذي يشكّل أحد الضمانات الأساسية القليلة للخائفين على أمنهم الصحي والاجتماعي. «هجوم» كثيف شهدته هذه الشركات، قبل نهاية الشهر الماضي، إثر اقتراح جمعية شركات الضّمان على الشركات استيفاء الأقساط السنوية لكل فروع التأمين للبوالص الصادرة بالعملة الأجنبية بنفس عملة البوليصة أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية وفق سعر السّوق بدءاً من أول أيار الجاري.مجرد الإعلان عن الاقتراح «غير الملزم للشركات» كان كفيلاً بدفع عملاء هذه الشركات وأصحاب البوالص إلى الهرولة لتجديدها أو دفع ثمنها كاملاً بعدما كان كثيرون يسدّدونها بالتقسيط، وخصوصاً أن شركات عدة نبّهت إلى أنه في حال التقسيط، فإن الدفعات قد تخضع لسعر الصرف في حينه. غير أن المفاجأة كانت أن غالبية الشركات لم تلتزم باقتراح الجمعية وحافظت على أسعارها وفق سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة، وفق ما خلصت إليه لجنة الرقابة على هيئات الضمان، ما يعني أن كثيرين من زبائن شركات التأمين «بُلفوا» ودُفعوا الى التخلي عن مبالغ مالية كبيرة هم بأمسّ الحاجة إليها في الظروف الراهنة، لضمان احتفاظهم بالتأمين، وفق ما اعتقدوا أنه «صفقة مربحة»!

انحسرت تكاليف التأمين في ظل التعبئة وتراجع عدد السيارات في الشوارع (مروان بوحيدر)

اقتراح الجمعية تذرّع بأن كلفة التأمين على الشركات ارتفعت بشكل كبير، وهو منطق يسهل تسويقه في ظل ارتفاع الأسعار الذي يشمل كل القطاعات. غير أن المعطيات المتوافرة تؤكد أن أرباح شركات التأمين لم تتأثر بشكل كبير، رغم ارتفاع الكلفة في بعض المجالات.
فاستناداً إلى الإحصائيات الرسمية الصادرة سابقاً عن لجنة الرقابة على هيئات الضمان، كانت التكاليف التأمينية للقطاع، في الأوقات العادية، تُقدّر بنحو ٣ مليارات ليرة يومياً. وبغضّ النظر عن ضعف هذه المساهمة في الناتج المحلي، فإن هذه التكاليف، في ظل أزمة «كورونا»، لا تزيد على ٢٠٪ من هذا المبلغ، بحسب تأكيدات خبراء في التأمين تحدثت إليهم «الأخبار». بهذا المعنى، فإن شركات التأمين تحقق أرباحاً من هذا الوفر تصل إلى نحو ٢.4 مليار ليرة يومياً. انحسار التكاليف التأمينية سببه التدابير التي رافقت حال التعبئة، وأدّت إلى تراجع عدد السيارات في الشوارع، وكذلك الانخفاض الكبير في توجّه المرضى إلى المستشفيات باستثناء الحالات الطارئة، فضلاً عن انعدام حركة السفر والنقل البري والبحري وغيرها من النشاطات الاقتصادية التي ترتّب على شركات التأمين دفع تغطيات مالية خلال الدورة الاقتصادية الطبيعية. أضف إلى ذلك أن غالبية العقود التأمينية في الفترات السابقة كانت تُدفع بالدولار، ما يعني عملياً أن الشركات خزّنت مبالغ طائلة بالدولارات الأميركية طوال سنوات عدة.
كما أن القطاع أعلن أنه لن يغطي تكاليف علاج «كورونا» إلا إذا وافقت المستشفيات الخاصة على تعرفة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، (لأن غالبية عقود التأمين التي تغطي فرق الضمان لن تكلف عملياً أي شيء). كما قرّرت شركات التأمين عدم تغطية حوادث السير إذا تبين أن إحدى المركبات خالفت قرار الحظر أو قرار وزارة الداخلية بتقييد حركة سير السيارات حسب أرقام اللوحات، وهو قرار مستغرب ومبهم وعام لم يستثن حتى الحالات الطارئة التي يكون فيها السائق قد خالف الإجراءات القانونية لاضطراره إلى نقل مريض إلى المستشفى على سبيل المثال.
التكاليف التي تدفعها الشركات تراجعت في زمن «كورونا» إلى نحو 80%


«الأخبار» حاولت مراراً التواصل مع رئيس جمعية شركات التأمين إيلي طربيه للاستفسار عن بعض النقاط ومحاولة توضيحها وتحديداً لجهة ما يتعلق بفروع التأمين التي يشملها اقتراح السداد وفق سعر الصرف غير الرسمي، وخصوصاً أن الكلفة الاستشفائية لم ترتفع لأن تسعيرة المستشفيات والأدوية ما زالت على حالها، إضافة إلى أن الشركات لم ترفع رواتب موظفيها، إن لم تكن قد خفّضتها كما هي حال بقية القطاعات، مع الإشارة إلى أن هذه الشركات لا تزال تدفع الضرائب والرسوم المقطوعة عن العقود وفق سعر الصرف الرسمي.
الواضح أن «بلفة» الأول من أيار زادت أرباح شركات التأمين، وساعدت عدداً كبيراً من الوسطاء على ابتزاز عملائهم عبر الضغط لتسديد الأقساط قبل مطلع هذا الشهر، ووفق شروط تناسب الوسيط الذي بات بمقدوره المرابحة في سوق الصرافة بواسطة الأموال المقبوضة. هذه الممارسات تضاف إلى سجل الوسطاء في التأمين الإلزامي الذين يحقّقون سنة بعد أخرى عمولات طائلة تفوق الـ ٤٥ مليار ليرة (أي ما يزيد على ٤٢٪ من حجم الأموال التي يدفعها المواطنون لهذا التأمين)، كان يجب أن تُخصص لدفع التكاليف الطبية بدل إحالة مصابي حوادث الطرق إلى وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بطرق غير قانونية.