يصف ما شياو لين، الخبير الصيني في الشؤون الدولية، فيروس كورونا بأنه «أشبه بحرب عالمية بلا دخان». ومع استمرار تداعيات تفشي الوباء، والذي كانت أولى نتائجه أزمة صحية عصفت بمعظم الدول بسبب إزدياد أعداد المصابين بوتيرةٍ متسارعة، لم تضع الأزمة المفاجئة، والمستجدّة، القطاع الصحي في هذا التحدّي وحسب، وإنّما أرخت بظلالها على القطاع الاقتصادي العالمي، إضافة الى التجارة الدولية وحرية التنقّل بين الدول، وضمن نطاق الدولة الواحدة، وصولًا الى تقييد حرية التنقل في الأحياء الداخلية. وبناءً عليه، تسعى العديد من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي وغيرها، إلى العمل الدؤوب للتصدّي لهذا الوباء الذي يواجه بشراسة المجتمع البشري. كذلك يسعى محللون ومختصّون إلى عقد إجتماعات إلكترونية دورية لمناقشة الأوضاع التي سيؤول إليها العالم بعد إنتهاء أزمة «كوفيد-19»، والتغيّرات المصاحبة له.الجميع يسأل اليوم: أين سنكون بعد ستة أشهر، سنة، عشر سنوات؟ وماذا يخبىء المستقبل لنا؟ ماذا سيحلّ بأعمالنا وكيف سنعاود الإلتحاق بوظائفنا ومدارسنا وجامعاتنا؟
لقد أصاب هذا الفيروس التاجي، بشدّة، القطاعين الإقتصادي والتعليمي، كما أصاب البشر. ومع هذا، ينبغي استغلال هذه الأزمة لإعادة إنتاج شيء أفضل وأكثر إنسانية، لأن بناء مستقبل عادل اجتماعياً، وسليم بيئيًا، بحاجة الى نوع جديد من الخطط والأهداف الإقتصادية والتربوية.
إقتصاديًا، كثيراً ما نرددّ بأنّ العولمة خلقت سوقًا دوليًا مزدهرًا، إذ تمّ إعتماد كتاب آدم سميث «ثروة الأمم» كمرجٍع لهذه الأعمال التجارية المعولمة، علمًا أن العولمة أدّت إلى ظهور نسيٍج متشابٍك من شبكات إنتاج ربطت الاقتصاد العالمي ببعضه البعض، وأصبحت أجزاء منتج واحد تُصنع في عشرات البلدان. وهذا بدوره أدّى الى إعتماد الدول على بعضها البعض، لأنّه لا يُمكن لأيّ دولة أن تُنتج كل السلع والمكوّنات والأجزاء التي يحتاجها اقتصادها. هكذا تمّ دمج الاقتصادات الوطنية في شبكة عالمية واسعة من الموردين. ونتيجًة لهذا الفيروس الذي نحن في صدد مواجهته، تمّ رفعُ الستار عن هشاشة النظام المعولَم، الذي يفرض على هذه الدول والشركات إعادة التفكير في هذه السياسّة العالميّة، من أجل مراعاة صحة المواطنين التي أصبحت على المِحك. علمًا أن هذه الدول مطالبة الآن بالتركيز أكثر على الإهتمام بشؤونها الداخلية لسنوات مقبلة على الأقل. كما يتوقع، في المستقبل القريب، أن ترتفع أصوات المناهضين للعولمة الذين وجدوا من خلال هذا الفيروس أدلّة جديدة تثبت وجهات نظرهم.
أما تربويًا، فعلينا أنّ نستثمر كامل مواردنا السمعية والبصرية والرقمية من أجل تحويل العملية التعليميّة الجامدة الى عملية أكثر جذبًا، والتحوّل من أسلوب «الحفظ والتلقين»، الى أسلوب «التفاعل والتحليل»، والعمل على تطوير برامج إبتكاريّة ودراسيّة تتناسب وتداعيات الأزمة المستقبلية التي نعيشها، فضلًا عن مسارات وطرق تعليميّة جديدة للنهوض بالتعليم العالي، يُمكن أن نطورها عبر الإنترنت، والتعليم عن بُعد، والتركيز على الدورات التدريبية الإلكترونية التي تُساعد على إكساب الطالب مهارات القرن الحادي والعشرين، لا سيّما تلك التي أوصت بها «منظمة الشراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين».
أثّر الوباء على كل الجوانب الحياتية وعلينا أن نستعد لمستقبٍل لم تتضح معالمُه بعد


لقد أثّر هذا الوباء على كل الجوانب الحياتية، الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية. لذلك، علينا أن نستعد لمستقبٍل لم تتضح معالمُه بعد. وعليه، لم يعد مُمكنًا ان تتطور البلدان خلف أبواب مُغلقة، كذلك، فإنّ تفشي أوبئة كهذه أدت الى أزمات عالمية، أظهرت الحاجة الى الترابط والتعاون بين الدول لتخطيها. ولنستطيع بناء مجتمٍع مشترك للبشرية، علينا تعزيز التنسيق والتعاون بين الدول، وأصبح تحسين نظام الحوكمة العالمية مطلبًا لا مفرّ منه وحلاً وحيدًا، كما أننَا بحاجة ملحّة الى عولمة تعتمد على التعاون والشراكة لا على الهيمنة. عولمة نحدّد ما نريد منها، من خلال طرحنا لسؤال: أيّ مستقبٍل نُريد أن نحيا؟

* أستاذة جامعية