سبعة أشهر مرّت على انتفاضة 17 تشرين، تمكن خلالها بعض المجموعات المشاركة في الانتفاضة من تعميق الروابط في ما بينها، فبدأت تتشكل جبهات مشتركة بين عدة مجموعات، غالباً ما ترصد في الأنشطة الميدانية. وقد استغل هؤلاء الحجر المنزلي القسري في زمن فيروس كورونا لينتقلوا الى المرحلة الثانية وهي الأهم: إنشاء حركات سياسية وفق برنامج محدد، يمكنها خوض الانتخابات النقابية والنيابية. حصل ذلك بعد عدة انتقادات وجهت الى المنتفضين، أكان في سياق عدم تقديم قيادات للمجموعات أم غياب أجندة سياسية اقتصادية اجتماعية تكون بديلاً من السلطة الراغبين في إسقاطها. هكذا، بدأ العمل على دمج مجموعات بعضها ببعض، وإنشاء عدة جبهات سياسية معارضة تحمل خارطة طريق واضحة تقدمها إلى الرأي العام وتحشد على أساسها. ذلك لن يمنع الناشطين من متابعة الضغط على السلطة يومياً في الشوارع والوزارات، وثمة من يقول إنهم يتجهون الى عصيان مدني كامل.يقول الناشط في مجموعة «بيروت مدينتي» طارق عمار إن «التركيز الأساسي اليوم على إعادة تنظيم الصفوف وإعداد ورقة سياسية يفترض أن تكون جاهزة بحلول نهاية الشهر الجاري، فيما التنسيق مع المجموعات على أشدّه لمحاولة إرساء منصة متكاملة وجامعة». فمنذ مدة، اقتنع المنضوون إلى بعض المجموعات بأن العمل «عالقطعة» وبشكل فردي لم يعد مجدياً. لذلك بات الهدف الطويل الأمد «خلق ائتلاف كبير معارض يقدم برنامجاً وورقة سياسية». وقد بدأت «بيروت مدينتي» بالتنسيق مع عدة مجموعات لأجل هذا الغرض، وأبرزها «لحقي»، «عن حقك دافع»، «عامية 17 تشرين»، «من تشرين»، «ستريت» وغيرها. هؤلاء خاضوا، بحسب عمار، معارك صغيرة معاً على الأرض، وحان الوقت اليوم للتلاقي في الشق السياسي. أبرز العناوين السياسية المطروحة تنطلق «من ثوابت 17 تشرين الرافضة لكل المنظومة السياسية القائمة بجميع أطيافها، والتشديد على محاسبتها واستعادة الأموال من أجل إنقاذ اقتصاد البلد وإعادة الثقة اليه، كما استعادة الحقوق. ما زلنا نتمسك بتطبيق الدستور، ونريد قانوناً انتخابياً من خارج القيد الطائفي، وإعادة إنتاج نظام جديد وفقاً للدستور الذي لا يطبق اليوم». يقابل المشروع السياسي مشروع اقتصادي «يحمي الشعب الذي أصبح بأغلبه فقيراً».
الأولوية بالنسبة إلى المجموعات هي إصلاح الجسم القضائي والضغط للقيام بدوره


«ائتلاف بناء الدولة» كان الأول في بناء جبهة تجمع مجموعات تتشارك الرؤية السياسية والاقتصادية نفسها (تجمع الشباب المدني، بلا اسم، صرخة وطن، شباب 17 تشرين، حلوا عنا، حركة الشعب، الحزب السوري القومي الاجتماعي ــ الانتفاضة، الشعب يقاوم الفساد، ثورة الشعب اللبناني العنيد، حزب الخضر). الورقة السياسية الاقتصادية أقرّت في شهر آذار قبيل التعبئة العامة، فتعذر الاعلان عنها في مؤتمر صحافي، وفقاً للناشط هاني فياض، لكن سيتم قريباً إطلاق حملة إعلامية للإضاءة على أبرز نقاطها. ويشدد الائتلاف في ورقته على أن بناء الدولة يتطلب تشخيصاً صحيحاً للأزمة المالية عبر إلزام مصرف لبنان بتقديم قطوع الحساب والبيانات المالية الصحيحة للدولة، واستقلالية القضاء، وتعديل قانون محاكمة الرؤساء والوزراء ومحاكمة الفاسدين منهم، وإلغاء مزاريب الهدر (مجلس الإنماء والإعمار، صندوق المهجرين، ومجلس الجنوب)، وإعادة هيكلة الدين العام، ورؤية ضريبية قائمة على العدالة الاجتماعية، وتحرير الأراضي اللبنانية، وحماية لبنان من جميع أشكال العدوان. من جهة أخرى، يفترض أن تنتهي كل المجموعات من الغربلة وجمع نفسها في غضون الشهر المقبل. ويؤكد الناشط في «المرصد الشعبي لمكافحة الفساد» واصف الحركة أن بعض المجموعات سيذوب في بعض آخر، في إطار تقليل العدد وتوحيد الجبهة. لذلك، سيجري تغيير الأسماء تلقائياً، لتصبح اسماً واحداً لكل ائتلاف. الحركة مقتنع بأن «العمل الحقيقي هو العمل المناطقي وليس في العاصمة». ففي المناطق «تعمل الأحزاب لترسيخ وجودها وبناء شبكة من الزبائنية بالتعاون مع البلديات». لذلك، «من الضروري التوسع في المناطق وتفعيل التواصل بين الناس». ماذا عن المرحلة المقبلة؟ يشير الحركة الى أن المواجهة ستحتدم نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، كما أنها ستكون مواجهة مع النظام السياسي والقضاء: «سننتقل من فتح الملفات الى ما نسميه مشروعية شعبية. فالدولة تلجأ الى مؤسّساتها لمنع سرقة المال العام، ولكن عندما تصبح السلطة والمؤسسات والتشريع جزءاً من الفساد السياسي، تكون المواجهة الأقوى باستعادة الشعبية عبر الناس. الشعب سيقتص منهم ويحاسبهم. وسنعمل في الموازاة على إعادة تأسيس السلطة والضغط على القضاء ليلعب دوره الحقيقي، ونتجه الى تسمية القضاة بشكل مباشر».
هي المرة الأولى ربما التي تتوافق فيها مجموعات على خطوط عريضة، وهو ما تعذّر توافره في هبّتَي 2011 و2015. على أن الامتحان الأصعب يتجلى في إعداد الورقة السياسية والاقتصادية والبيئية وتفاصيلها، الأمر الذي يدفع معظم الناشطين الى عدم التطرق الى تلك التفاصيل قبيل التأكد من الإجماع عليها والوصول الى الخواتيم. الأساس في ذلك كله هو التركيز على النظام المدني بفصل الدين عن الدولة، يقول الناشط في مجموعة «عن حقك دافع» أنطوني الدويهي. الإعداد بين المجموعات يجري على قدم وساق بين جميع المناطق، من الشمال الى الجنوب، على أن نتمكن مستقبلاً من «إعداد اقتراحات قوانين والضغط لإيصالها الى مجلس النواب». يؤكد الدويهي أن التحركات مستمرة أمام الوزارات والإدارات «المعنية مباشرة بسرقة المواطن وإفقاره»، علماً بأنه بات هناك «قرار مركزي موحّد لتنسيق التحركات بين المجموعات الأساسية المنضوية في الانتفاضة». على المنوال نفسه، تعمل مجموعة «شباب المصرف» التي تصوغ بيانها السياسي، «لأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى إيضاح الهوية السياسية، تمهيداً للتشبيك السياسي مع المجموعات التي تشبهنا»، يقول ميمون شداد. والأولوية هنا «لرصّ الصفوف من أجل وضع خطة تصعيد في وجه السلطة التي يبدو أنها مستمرة في سياسة الإنكار».