عندما يصبح السباق الى بعض التشريعِ مباراة وديَّة في ملاعب الوطن، في غفلةِ الانشغال بقضايا كيانيّة، والغرق في أزماتٍ إقتصاديةٍ، وتخبّطٍ اجتماعيّ حاد، قولوا: على الدنيا السلام! ليس ما أفرزته أزمة كورونا، في الواقع السياسي والعجز المالي والتشظّي الشارعي هو قلب المشكلة، بل ان الخطر الأغبى والأدهى هو المتشخصن في ارتجالات أفكارٍ واستيراد مشاريعَ غريبة عجيبة، ومحاولةُ إسقاطها على الواقع التربوي والاكاديمي اللبناني المأزوم أَصلاً، بسبب ما أصاب التعليم اللبناني من نحْرٍ من الخلف واغتيال عن بعد... وتجاهلٍ عن قرب!
فبعدما كان لبنان ذا تراث رفيع ومرموق عالميّاً على المستويين التعليمي التربوي والأكاديمي التخصّصي، على مدى أكثر من قرن ونصف قرن من الريادة وتحقيق الإنجازات التخصصية في مستوياتٍ نوعيّة ومتنوِّعة في مختلف العلوم، وبعدما كان قبلة التعليم والتعلّم العربي، وترك فِعلَه في تقعيد أسس النهضة الفكرية العربية، يعاني اليوم من أخطار أوبئة إباديّة تهدّد سلامته واستمرارية تأديتِه (لواجبِ التعليم والترقية المجتمعية) في المنطقة، ويعيش همّاً داهماً و أخطر، هو التشخيصات المتسرّعة لمحاولة إيجاد مخارج وطرحِ تصوّراتٍ وعَراضاتٍ (تشريعية)، غلافها تقديم أفكارٍ تشريعية لمواكبة «التعليم في زمن الازمات» وغايتُها «تسويق التعليمِ عن بعد»، تَحقيقاً لغايات، بَعضُها مرئيٌ ظاهر وأَكثرها مضمر خفي!
لست حريصاً أكثر من غيري على «التربية والتعليم العالي في لبنان»، لكنني بالتأكيد من الخائفين على قابل أيام التعليم العالي، ومن المتخوفين من تسرّعات الطرحِ وتسويقِ «مشاريع قوانين» للإيحاء بأَحقية الموضوعِ المسوّقِ له... وكلّ ذلك يجري خارج الأطرِ الإستشارية التخصصية اللازمة والملزِمة لبلورة فكر تربوي حديث، وكأن ليس في لبنان صروح أكاديمية عريقة ولا مراكز بحوث ودراسات تربوية متخصصة، ولَمْ يبق فيه من يعرف ماذا يطرح وكيف يطرح وماذا يطرح؟!
إن مِحورِية الكلام في هذه المرحلة المتشعّبة التداخلات والكثيرة التشابكات تتركز على تأكيد فعلية التشريع الهادئ والرصين والواعي لدوره الدقيقِ، وإبراز فاعليته في اعتماد آلية تطوّرِيّة لإنجاز تشريعاتٍ تحاكي العصرنة والحداثة، بعيداً عن إستغلالية الظرف للترويج لبرامج ومفاهيم مستوردة ولا تتصف بالجودة، وقد تنعكس خطراً على دور التعليم العالي وتراثه ومستقبله وريادته وتألّقيّته الإعتماديّة في المحافل الجامعية العالمية!
نعم أنا خائف. ومتخوّف وأُخوِّف!
١- أنا خائف أَن تستعر فوضى «الجامعات المخالفة والمرتكبة والمشبوهة»، وأنْ تتسلح بالكلام التسويقي للتعليم عن بعد...وهي التي كانت ترتكب المخالفات والجرميات التزويرية عن قرب وعن بعد وفي الظلام وفي الليل!
٢- أنا مُتخوِّفٌ من أن تستقيل الكتل النيابيّة من دورها في طلب الإستشارات ودراسات الجدوى التي يجب أن تسبق أيّ طرح لمشروع قانون. ومتخوِّفٌ أكثر من غياب المثقف والمربي والمستشار التربوي أو تغييبه.... ومتخوِّف بقوّة من غياب الأحزاب واختبائها من معالجة القضية وضعف رأي مكاتبها التربوية، أو تغاضيها عمّا يحصل خفاءً و علانيّةً، من دون أن أعثر على مبرّراتٍ وأسبابٍ تخفيفيّة لهذا التراخي والتغايُب غيرِ المُغتفر!
٣- أنا أُخَوِّف من حالات توسّعِ رقعِ فوضى بعض «مؤسسات التعليم العالي الخاص» في جزء من مناحيه التجارية والتضاربية، لأننا قد نشهد قريبًا حالاتٍ غير معروفة قبلاً وغير ممكنة التخيُّل في إطار «المضاربات الجامعية في أسواق القطع والأقساط» معزّزة بحملات دعائيّة للترويج لاختصاصات غير معترفٍ بها أصلاً وأصولاً. وأنا أُخوِّف الطلاب وأهاليهم من الوقوع في هذا الشَرَكِ الذي قد يقعون بين مخالبه، فيخسرون أموالهم وتَضيع أَعمارهم في بواطنِ الجشع الإفتراسي... فهلْ من منقذ قبل أن تكتمل حلقات التسويق والفوضى في ظل عدم صدور قانون «ضمانة جودة التعليم»، والفراغ الحاصل في المديرية العامة للتعليم العالي، وعدم إقرار هيكلية إدارية لها!
هذه المخاوف التي أَحرص على تكرار التنبيه من تداعياتها، أضعها أمانة بعهدة رئيسة اللجنة النيابية للتربية والثقافة السيدة بهِيَّة الحريري، العارِفة بكل مفاصل هذه الأزمة والمُدرِكة عن قرب للمخاطرِ التي تحوط بالتعليم عن بعد.

*مسؤول لجنة الاعتراف والمعادلات بالإنابة في مديرية التعليم العالي