باتَت المواجهة التي تُديرها الولايات المتحدة الأميركية ضد لبنان واضحة ومن دون قفازات. مع بداية اشتداد الأزمة، كانَ المسؤولون الأميركيون يربطون مساعدة لبنان بتحقيق الإصلاحات، إلى أن تبيّن شيئاً فشيئاً أن ما تريده واشنطن فعلياً هو الانقلاب على حزب الله. ففي إطار تدخلها المباشر في الشأن اللبناني، خرج وزير خارجيتها مايك بومبيو، مجدِّداً تهديداته وشروطه، كما في تصريح سابق له في شهر كانون الثاني الماضي «بشّر» فيه اللبنانيين بـ«أزمة رهيبة في غضون أسابيع»، وأن الحل الوحيد هو أن «يقول اللبنانيون لحزب الله كفى». فيوم أمس، قال بومبيو إن «بلاده مستعدة لمساعدة الحكومة اللبنانية إذا نفّذت إصلاحات حقيقية»، واستكملَ «فرمانه» بالقول: «إذا عملت الحكومة بطريقة ‬‬لا تجعلها رهينة لحزب الله، وأظهرت استعداداً لاتخاذ مثل هذه الإجراءات، فإن الولايات المتحدة والعالم بأسره سيساعدان في نهوض اقتصادها». التهديدات الأميركية للبنان تتوالى، إذ سبقَ تصريح بومبيو كلام لمساعده ديفيد شينكر عبر موقع «الهديل» يصبّ في الاتجاه ذاته، ويبرر فيه الخروقات الإسرائيلية للسيادة، ويهاجم مسبقاً أي تعاون اقتصادي بين لبنان والصين.وفي موازاة هذه التهديدات، يصعب توصيف غياب الحكومة ومصرف لبنان عن أي مساعٍ لحل أزمة سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي ارتفع في السوق الموازية بأكثر من ألفي ليرة في غضون أسبوع، جاراً معه أسعار السلع، وخاصة المواد الغذائية التي بالكاد صارَ يمكن الأسر شراء الأساسيات منها. فقد واصل سعر صرف الدولار أمس مسيرته التصاعدية بوتيرة سريعة مُسجّلاً رقماً قياسياً جديداً ‏لامس الـ 7 آلاف ليرة في السوق السوداء، وقد تحولت الشائعات التي أطلقت قبل أكثر من أسبوع إلى واقع، بينما لا يزال مصرف لبنان يتنصّل من دوره. وعلى الرغم من الاجتماعات التي عقدتها الحكومة الأسبوع الماضي بعد موجة الاحتجاجات الشعبية، وتدخلت بالضغط على مصرف لبنان لضخ الدولار في السوق، الا أن هذا الإجراء لم يترجم، رغم تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أن ذلك سيدفع الى خفض سعر الصرف الى 3200 ليرة! ما يحدث من فوضى مالية في البلاد يوجب الدفع في اتجاه البحث في وضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعيداً من التهويل الذي يتحدث عن أن إقالته ستتسبّب في انهيار الليرة، وخاصة أن المعطيات تؤشّر الى أن السياسات التي يتبعها هي التي تساعد على الانهيار بشكل دراماتيكي. فعلى الرغم من أن رئيس الحكومة حسان دياب اقترح عليه قبل نحو أسبوع إيجاد آلية للتدخل في السوق عبر المصارف، أصرّ سلامة على أن يتم ما يسميه «الضخ» عبر الصرافين الذين تحوّلوا إلى سلطة تامة، تشريعياً وتنفيذياً وقضائياً، محدّدين للبنانيين «مصاريفهم» الشهرية بالعملة الصعبة. ويعمد الكثير من الصرافين، المرخصين وغير المرخصين، إلى رفع سعر الدولار في السوق السوداء، من خلال زيادة الطلب على الدولار، وقبول كميات تُعرض عليهم بالسعر الذي يحدده العارض. ويعمد كثيرون منهم إلى تخزين الدولارات، فيما يشيع مقربون من سلامة أخباراً تفيد بأن سعر الدولار لن يقف عند حد! أما الحكومة التي لا تزال تتصرّف وكأن البلاد في أزمة عادية، فالمطلوب منها الذهاب فوراً إلى إعلان حالة طوارئ تتضمن علاجات فورية للجم التدهور الحاصل على كل الصعد، وعلاجات جذرية لخفض الاستيراد واعتماد لبنان على العملة الصعبة.
وفيما تزداد الضبابية التي تحوط مصير المفاوضات المستمرّة مع صندوق النقد الدولي ومفاعيل قانون قيصر الأميركي، ترأس بري أمس اجتماعاً طارئاً لقيادات حركة أمل خُصّص لمناقشة وتحديد موقف الحركة من التطورات والمستجدات السياسية. واعتبر برّي أن «انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار يفرض على الحكومة وعلى المصرف المركزي وعلى جمعية المصارف إعلان حالة طوارئ مالية وإعادة النظر في كل الإجراءات التي اتخذت لحماية العملة الوطنية، ومن غير المقبول جعل اللبنانيين رهائن للأسواق السوداء».
بري: لإعلان حالة طوارئ مالية وإعادة النظر في كل الإجراءات التي اتخذت لحماية الليرة

وأضاف «يُخطئ الظن من يعتقد أن صندوق النقد أو أي دولة أو جهة مانحة يمكن أن تقدم لنا المساعدة بقرش واحد إذا لم ننفذ الإصلاحات، وفي مقدمتها المعالجة الفورية لقطاع الكهرباء ووقف النزيف القاتل الذي يسببه في المالية العامة، والإسراع في إقرار قانون استقلالية القضاء وإجراء المناقصات العمومية بطريقة شفافة». وعن الضغوط التي يتعرض لها لبنان على خلفية ما يجري من وقائع في المنطقة، ولا سيّما صفقة القرن وقانون قيصر الذي يستهدف سوريا، قال الرئيس بري: «في مثل هذه الأيام من العام 1982 كان لبنان يقاوم اجتياحاً إسرائيلياً ولم يرفع الراية البيضاء، واليوم لا أخفي قلقي من أننا نعيش ظرفاً مشابهاً يُراد منه إسقاط لبنان وإخضاعه واجتياحه بأسلحة مختلفة، وحجر الزاوية لإنقاذه رهن بتعاون جميع القوى السياسية وبوعيهم أهمية التزامهم بالحوار سبيلاً وحيداً لمقاربة القضايا الخلافية كافة». وفيما خصّ قانون قيصر رأى أن «القانون يطال سوريا بهدف إسقاطها وتضييق الخناق عليها اقتصادياً ومالياً وعدم تمكينها من استعادة وحدتها ودورها المحوري في المنطقة، وأن موقفنا المبدئي في حركة أمل حيال هذا القانون هو موقف الحليف الوفي لمن وقف الى جانب لبنان ومقاومته يوم عز الوقوف». وحذّر بري من أن «لبنان الذي يقع على قوس جغرافي مشتعل تتصارع فيه أجندات ومحاور إقليمية ودولية، لبنان واحد من ميادين هذا القوس، والهدف هو السيطرة على الثروات الهائلة، نفطاً وغازاً، أما بيت القصيد فهو تمرير صفقه القرن وتصفية القضية الفلسطينية وتحويل المنطقة الى إسرائيليات وكيانات عنصرية متناحرة».