في تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية - Crisis Group» (منظمة غير حكومية تعمل في معظم دول العالم من خلال التحليل الميداني والوساطات لمنع وتسوية النزاعات)، صدر في 8 حزيران الماضي، وجد مُعدّوه أنّ الدعم الدولي الجوهري غير مُتوفّر حالياً للبنان، فلا توجد جهة مُستعدة لتدفع الأموال النقدية من دون أن تلمس تحسّناً في الإدارة. ولكن في الوقت نفسه، الأوضاع الاقتصادية تسوء، «وتسقط الشرائح الضعيفة في المجتمع اللبناني على نحو متزايد في حالة من الفقر المُدقع، إلى درجة أنّ هؤلاء سيحتاجون قريباً إلى مساعدات غذائية للبقاء على قيد الحياة». والخطر الأكبر، هو أنّ هذه الحالة «تبرز في أوساط اللاجئين في لبنان، والذين يبلغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة». ما العمل إذاً؟ «قد يترتّب على المانحين الخارجيين زيادة المساعدات الإنسانية ليستفيد منها اللبنانيون الذين كانوا أكبر المُتضرّرين من الأزمة». هذه هي خلاصة تقرير «مجموعة الأزمات الدولية»، والذي يبدو أنّه لقي صدىً لدى الدول «المانحة». يقول أحد العاملين في فريق المنظمة غير الحكومية لـ«الأخبار» إنّ دولاً أوروبية قرّرت زيادة «المساعدات الإنسانية» الموجّهة مُباشرةً إلى النازحين السوريين، مع مُضاعفة الحصّة التي تحصل عليها المُجتمعات المضيفة في لبنان. وفي الإطار نفسه، يقول مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية إنّ الدول المانحة «تتجه إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومية مُباشرةً وليس عبر إدارات الدولة». هذه النقطة شكّلت دوماً جدلاً داخلياً، وأثارت علامات استفهام حول عمل البرنامج الدولي لمساعدة النازحين. فكلّ القوى (من دول وهيئات دولية ومنظمات غير حكومية) المنضوية في برنامج «خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية» (2017 - 2020)، «تميّزت» بعدم إظهار تعاون وتنسيق مع الإدارات اللبنانية المعنيّة بمتابعة ملف اللاجئين. على الرغم من أنّ توزيع المساعدات مُباشرةً على الجمعيات أو اللاجئين أو المستشفيات أو المدارس أو غيرها من القطاعات الحياتية، يُعتبر استباحةً للسيادة المالية للبنان. على سبيل المثال، سنة 2018 دفعت 10 دول مانحة مبلغ مليار و477 مليوناً و939 ألف دولار في لبنان، لم يدخل خزينة الدولة منها سوى 21 مليون دولار! أما النقطة الثانية التي يجري تفعيلها أيضاً، فهي «تأهيل النازحين وتمكينهم حتى يُصبح بالإمكان الاستفادة منهم كيد عاملة في البلد».«تزداد» (بالليرة لا بالدولار) المساعدات النقدية و«الإنسانية» الأوروبية المُباشرة، بالتزامن مع إقرار الحكومة اللبنانية ورقة عودة النازحين، وتثبيت فصل العودة عن «العملية السياسية في سوريا»، وتشديدها على التنسيق مع دمشق لحلّ الموضوع. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي استكمال برنامج المساعدات على المدى القصير هو الطريقة الوحيدة التي سيستخدمها حالياً لـ«مُساعدة» لبنان، طالما أنّ كلّ الدول الرئيسَة فيه «مُلتزمة بقرار عدم تخصيص أموال لبيروت، وعدم تحرير قروض مؤتمر سيدر قبل الشروع بالإصلاحات المطلوبة». يعتبر «المجتمع الدولي» أنّه من الطبيعي أن يضع دفتر الشروط الذي يراه مُناسباً، طالما أنّه يتعامل مع «دولة» رهنت اقتصادها وماليتها ونموّها للاقتراض الخارجي، ولم تُطوّر سبيلاً للعيش سوى الأموال التي «يتصدّق» بها الغرب على البلد، بفائدة باهظة.
إلا أنّ «مجموعة الأزمات الدولية» تعتبر أنّ الأزمة اللبنانية لا تُحلّ حصراً بمساعدات غذائية محدودة، فالوضع يستدعي البحث في الإجراءات على المدى البعيد التي تؤدّي إلى «تعزيز فكرة الدولة». انطلاقاً من هنا، أجرت «المجموعة» مُحادثات مع أبرز الدول المنضوية في الاتحاد الأوروبي، وتتحضّر لإصدار تقريرها الجديد، الذي يتمحور حول «كيف تُريد أوروبا أن تتعامل مع الأزمة اللبنانية؟». يقول عاملون في المجموعة لـ«الأخبار» إنّ ما «سمعناه داخل الاتحاد الأوروبي هو الاستمرار أيضاً في تمويل المشاريع الإنمائية المُقرّة قبل عام 2018، ويقولون إنّه في غياب السلطة اللبنانية، يبقى مجال التصرّف محدوداً».
ينقل الأوروبيون عن المسؤولين الأميركيين عدم ممانعتهم التبادل التجاري بين لبنان وسوريا


نقلت «مجموعة الأزمات الدولية»، في تقريرها الصادر بداية حزيران، عن رجل أعمال واقتصادي أوروبي، عَمِل خبيراً أكاديمياً لبلاده في مؤتمرَي «باريس 1» (2001) و«باريس 2» (2002)، أنّ الهدف من «باريس 1 كان تحويل نظام ما بعد الحرب، إلى دولة فعلية لها مؤسسات حقيقية. قبل باريس 2، قلنا لحكومتنا إنّ باريس 1 لم يتحقّق، لكن لم يصغ أحد إلى نصيحتنا. أُفهمنا بأنّ استقرار لبنان كان أكثر أهمية. وهذا النمط لم يتغيّر فعلياً، فما زلنا - بعد 20 عاماً - نحاول تنفيذ باريس 1». تُشبه الدول «المانحة» المصارف اللبنانية. كانت تعرف أنّ الدولة «زبون مُتعثّر»، ولكنّها استمّرت بالسياسة نفسها، مُساهمةً في انهيار الهيكل فوق رؤوس اللبنانيين. فلماذا هذه «الصحوة» اليوم والتصرّف كما لو أنّها تهتم بمصلحة البلد؟ يردّ العاملون في «مجموعة الأزمات الدولية» بأنّ جميع المعطيات اختلفت حالياً، أكان داخل لبنان أم على صعيد أوروبا. فبالنسبة إلى الأخيرة، «تضرّرت الاقتصادات الأوروبية كثيراً بعد انتشار وباء كوفيد - 19، بالتزامن مع انخراطها في عدّة جبهات مشتعلة، وبالتالي تراجعت أهمية لبنان لديها». النقطة الثانية أنّه في لبنان «كلّ المال الذي صُرف لم ينتج منه شيء مُهمّ. لذلك، تعتبر دول الاتحاد الأوروبي أنّها لا تستطيع تبرير منح المزيد من القروض للبنان». ولكن ما يهمّ العاملين في «مجموعة الأزمات الدولية» توضيحه هو أنّ «دوافع الأوروبيين تختلف عن دوافع الولايات المتحدة الأميركية، فهم يُريدون الاستقرار ولا يعتبرون أنّ الفراغ في لبنان يُضعف حزب الله». داخل الاتحاد الأوروبي «لا توجد مشكلة مع حكومة حسّان دياب، ولا يهمهم إن كان حزب الله مُمثلاً فيها. الأساس هو في إقرار الإصلاحات». الموقف نفسه تعكسه مصادر من الاتحاد الأوروبي لـ«الأخبار»، بتأكيدها أنّ «استمرار الحوار السياسي بين كلّ القوى أمر ضروري. مصلحتنا أن لا ينهار لبنان». وهذه المصلحة تتفرّع على أكثر من محور، وأبرزها عدم انتقال النازحين السوريين إلى أوروبا، «وموقع لبنان في الشرق الأوسط، والحفاظ على التنوّع الطائفي فيه». هل ستصمدون بوجه الضغوط الأميركية؟ تعتقد المصادر أنّ واشنطن لا تستطيع أن توجّه السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، «فضلاً عن أنّنا سمعنا من الأميركيين أنّهم أيضاً لا يُريدون انهيار البلد تماماً. مثلاً في موضوع قانون قيصر، قالوا إنّهم لا يُمانعون التبادل التجاري بين البلدين، لأنّ الأهم بالنسبة إليهم هي الودائع لمقربين من النظام السوري في المصارف اللبنانية» (سلّمت وزارة الخارجية اللبنانية طلباً إلى الإدارة الأميركية تطلب فيه إعفاءها من الالتزام بقانون قيصر، في مجالات استجرار الطاقة من سوريا ومرور الشاحنات اللبنانية التي تنقل البضائع عبرها واستيراد وتصدير المنتجات الزراعية بين البلدين). ما هي الخلاصة إذاً؟ تقول مصادر الاتحاد الأوروبي إنّ مُمثليها في لبنان سينطلقون في جولة حوار جديدة مع المسؤولين «لحثّهم على إجراء الإصلاحات، وتوحيد أرقام الخسائر المالية للاتفاق على برنامج مع صندوق النقد، فهو الحلّ الوحيد لفتح الباب أمام الاستثمارات الغربية الأخرى».