ورد في «الأخبار» (١٧ تموز ٢٠٢٠) مقال للاستاذ رجا نجيم، الخبير في الجودة، حول مشروع سد وبحيرة بلعا أورد فيه مغالطات كثيرة تتعلق بالدراسات الجيولوجية والجيوتقنية والهيدرولوجية.إن خطّة انشاء السدود في لبنان هي نتاج دراسات امتدت لسنوات وأفضت، للمرة الأولى، الى اطلاق استراتيجية وطنية لقطاع المياه وافق عليها مجلس الوزراء وأصبحت سياسة ملزمة للدولة بغض النظر عن تغيير الحكومات، اذ ان الحكم استمرارية والخطط والمشاريع الموضوعة مبنية على قواعد علمية بحتة.
ان مناخ لبنان وطبيعته الجغرافية يؤديان الى هطول أمطار غزيرة وعلى فترات قصيرة فتفيض الأنهار وتجري الوديان وتذهب المياه هدراً الى البحر بسرعة هطولها، في حين تجف هذه الأنهار والوديان خلال أشهر الجفاف الطويلة حين الحاجة الماسة اليها. لذلك كان من المنطقي الاتجاه لتخزين هذه المياه السطحيّة في سدود لاعادة استعمال المياه صيفاً بأقل كلفة ممكنة، وليس الانتظار ليتسرّب جزء بسيط منها الى باطن الأرض ثم ضخه الى الأعلى مع ما يتطلبه ذلك من استهلاك للطاقة والأجور والصيانة المكلفة.
ان طبيعة لبنان الجيولوجية والزلزالية على فرادتها ليست الوحيدة على الكرة الأرضية، ولم تمنع يوماً البلدان التي تملك طبيعةً مشابهة كتركيا وقبرص وسوريا، من بناء السدود والمنشآت الكبرى. فالدراسات الهندسية الحديثة أوجدت حلّاً لكل مشكلة مهما بلغت درجات تعقيدها. وتمّ بناء السدود على أخطر الفوالق الزلزالية الناشطة أو قربها وجرى ملء البحيرات فوق أكثر الأراضي تشققاّ وتسريباً.
تعرّض مشروع سدّ بلعا كغيره من مشاريع السدود التي أطلقت منذ سنوات لكافة محاولات التأخير والايقاف. اولى المحاولات بدأت مع مرحلة تأمين التمويل من خزينة الدولة، وبعد تلزيم المشروع حسب الأصول وعبر ادارة المناقصات، انتقل الاعتراض الى موضوع طبيعة الأرض وعدم قدرة البحيرة على تجميع المياه.
يقع سدّ بلعا على ارتفاع 1700 متر وهو مؤاتٍ جداً لتغذية منطقة جرد البترون وجزء من وسطها بالجاذبية وبأقل كلفة ممكنة. وبمكن للبحيرة، على عكس ما أورده كاتب المقال، تخزين حوالي 1.4 مليون متر مكعب من المياه، في حين أن حجم التخزين المتحرّك، أي كمية المياه الواصلة والمتدفقة من البحيرة، يتعدى مليوني متر مكعب. والسد يشيّد في منطقة ذات طبيعة كلسيّة كارستية موجودة في معظم المناطق اللبنانية وقد تمّت معالجة أرضية البحيرة بحسب البروتوكولات المعتمدة عالمياً لهذا النوع من المناطق بحيث أصبحت مانعةً للتسرب بكفالة الاستشاريين المحليين والعالميين. وادعاء كاتب المقال ان المهندسين يعمدون الى وضع الصخور والاسمنت لتسكير المنافذ ومنع التسرّبات هو بحد ذاته اشارة الى المعالجات التي ذكرناها لهذا النوع من الأرضية الكلسيّة، والوزارة لم تحاول يوماً اخفاء ذلك كونه منذ البداية جزءاً من خطة العمل.
كما ان اعتماد المعارضين لانشاء السد عرقلة المتعهّد في جهوده لتأمين الصخور الضرورية لبناء جسم السدّ وأرضية البحيرة عرّض المشروع للتأخير واطال من معاناة البلدات المحيطة ان لجهة الانعكاسات المباشرة لنشاط الورشة أو لجهة الانعكاسات غير المباشرة على حالة الطرقات من جراء اضطرار الشاحنات لنقل الصخور من اماكن بعيدة عن السدّ. ولو قدّر للوزارة الانتهاء من المشروع ضمن المهلة المحدّدة لكان السدّ أصبح اليوم قيد الاستثمار مؤمّناً المياه لمنطقة واسعة من قضاء البترون، ولكان وفّر على أهالي المنطقة كل الانعكاسات السلبية للورشة وتحوّل المكان الى نقطة جذب سياحية وبيئية تساهم في التنمية الاقتصادية للمنطقة.
في النهاية، تتمنى وزارة الطاقة والمياه على كل من يدّعي معرفته بالارقام وبكلفة بناء السد أن يتحقق ويتأكد من صحتها قبل رميها وايهام المواطنين بأرقام مضللة. والمثال على ذلك تركيز كاتب المقال على أن كلفة السد وصلت الى نحو 90 مليون دولار وهو رقمٌ خيالي يعرّض صاحبه للملاحقة القانونية اذ أن تلك الكلفة لم تتعدَّ 45 مليون دولار خاضعةً بكاملها لرقابة ديوان المحاسبة المسبَقة.
ان مشروع سدّ بلعا أصبح في مراحله الأخيرة والمتعهد مستمرّ في الأشغال برغم الأزمة المالية الخانقة وارتفاع سعر الصرف، لذلك تهيب الوزارة بالجميع التحلّي بحسّ المسؤولية وتدعوهم لتضافر الجهود لتسهيل الأعمال من أجل الحفاظ على المال العام وتحقيق الأهداف المرجوّة من المشروع محلياً ووطنياً.

* وزارة الطاقة والمياه
مكتب الوزير