بعد الأحكام التي أصدرها عدد من قضاة المناطق ضد بعض المصارف، دوّى في بيروت أمس حكم طال رأس النظام المصرفي والعقل المدبر للإجراءات التعسفية بحق المودعين وسرقة أموالهم، إذ أصدر رئيس دائرة تنفيذ بيروت القاضي فيصل مكي حكماً بإلقاء الحجز الاحتياطي على بعض ممتلكات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. الحجز يأتي تتمة للدعوى الجزائية التي قدّمها خمسة محامين باسم مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام»، ضد سلامة، أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت لارا عبد الصمد بتهم «النيل من مكانة الدولة المالية والإخلال بواجباته الوظيفية والمس بقيمة النقد الوطني وبيع سندات الدولة (...)». وبانتظار عقد الجلسة الأولى للدعوى في الـ14 من تشرين الأول المقبل، تقدم المحامون باستدعاء الحجز أمام مكي. وفي حديث إلى «الأخبار»، قال أحد المستدعين، المحامي حسن بزي، إن ملاحقة سلامة «بصفتنا مواطنين ومودعين، حساباتنا محتجزة في المصارف بسبب تعاميم الحاكم التي ألحقت الضرر بنا».الشكوى الجزائية الواردة في 40 صفحة والمرفقة بـ150 مستنداً وطلب الحجز الاحتياطي المتمّم لها الواقع في 38 صفحة، لم يسلما من انتقاد بعض القضاة أنفسهم. وعلمت «الأخبار» أن أبرز المعترضين على قرار الحجز كان أحد المراجع القضائية العليا الذي نقل عنه أن «دعوى الحق العام لا تحرك بحق موظف من دون إذن بالملاحقة. وعليه فإن القرار المبني على شكوى مباشرة لا أساس قانونياً له». إلا أن بزي رفض الاتهامات التي طالته وزملاءه بالاستعراض، وطالت الدعوى بعدم قانونيتها بالنظر إلى عدم إمكانية ملاحقة حاكم مصرف لبنان. «منذ 50 يوماً، عكفنا على دراسة الدعوى وفصّلنا قانون النقد والتسليف وتوصلنا إلى أن قانون الموظفين لا يشمل سلامة، بل يشمله قانون النقد والتسليف الذي ينظم عمل المصرف وحاكمه، لكنه لم يشر إلى شرط أخذ الإذن لملاحقته قضائياً» قال بزي.
قبل تقديم معاملة طلب الحجز الاحتياطي أمام دائرة تنفيذ بيروت، استحصل المحامون على إفادات عقارية تخص أملاكاً باسم سلامة مع إمكانية الحجز على مخصصاته وثلاث سيارات. ولفت بزي إلى أن مكي استجاب لبعض المطالب الواردة في طلب الحجز، وأجّل بتّ المطالب الأخرى إلى وقت لاحق. «تريث مكي قبل اتخاذ قراره، طالباً إبراز دلائل عناصر الضرر المترتب علينا، ومسؤولية المحجوز عليه عن الضرر اللاحق بنا (..)» قال بزي. وتضمن قرار مكي الحجز على سبعة عقارات لسلامة في قرنة شهوان وبرمانا ومحتويات منزله في الرابية. وجاء في نصه: «بما أن دين طالبي الحجز يبدو في ضوء الظاهر مرجّح الوجود بالاستناد إلى المستندات والتقارير المبرزة، وبحسب الأحكام القانونية المرعية الإجراء. وبما أن طالبي الحجز اقتصروا في مطالبتهم على تحديد الدين المحجوز من أجله بمبلغ 25 ألف دولار لكل منهم، أي 200 ألف دولار كحد أقصى. وبما أن دين بقية طالبي الحجز غير مرجّح الوجود لعدم إبراز ما يرجّح ديناً شخصياً لصالحهم، لذلك، وسنداً للمادة 866 من قانون أصول المحاكمات المدنية، تقرّر الترخيص بإلقاء الحجز الاحتياطي على أسهم المحجوز بوجهه في العقارات 7 في قرنة شهوان وبرمانا باسمه والمنقولات التي يملكها في المنزل الواقع في الرابية».
في الشكل، تم أمس وضع إشارة بالحجز على بعض ممتلكات سلامة، وسجل قرار الحجز في قلم الشعبة الثانية في الدائرة العقارية في المتن، حيث مكان الممتلكات المحجوز عليها. ماذا عن تنفيذ قرار قاضي التنفيذ؟ بحسب بزي، «سنقوم غداً (اليوم) بمراجعة قاضي تنفيذ المتن لتنفيذ قرار الحجز الاحتياطي».
لا يستبعد بزي ورفاقه ألا تصل شكواهم إلى مبتغاها. قد يلجأ سلامة إلى طلب حصر الحجز بعقار واحد، خصوصاً أن دين طالبي الحجز لا يتعدى 200 ألف دولار. وقد يلجأ إلى طلب رفع الحجز كلياً بناءً على كفالة مالية. في كلتا الحالتين، يجد أصحاب الدعوى أنهم سدّدوا ضربة قاصمة لأصنام منظومة المصارف. «النصر في هذه الدعوى ليس مادياً. نحن لا نريد مالاً، بل نريد قلب الصورة. يكفيها محاكم التنفيذ الحجز على أملاك الفقراء فقط».
قرار مكي يضاف إلى قرارات أصدرها زملاء له ضد بعض المصارف، لكن معظمها لم يفلح في ردّ حقوق المودعين، منها قرار القاضي المستقيل محمد مازح بالحجز على محتويات فرع مصرف لبنان والمهجر في صور ومنع سفر رئيس وأعضاء مجلس إدارته بناءً على دعوى من مودع احتُجزت أمواله. لكن شكاوى المواطنين واستجابة القضاة لها أسَّستا لكسر جدار الخوف بين المصارف والناس.