لا يُمكن فصل حوادث الاعتداء التي يرتكبها أنصار المير طلال ارسلان عن بعضها البعض. تحليل هذه «الظاهرة» يفرض تتبُّع مسار من اعتداءات متكرّرة في ظلّ غياب العقوبة الرادعة، ما أدّى إلى التجرّؤ على تكرار الاعتداءات. «خلافات فردية» واعتداءات متكرّرة على ناشطين وصحافيين، جعلت السؤال واجباً: من يجمَعُ «مير خلدة» حوله؟ هل هم أفراد عصابة؟ مِمّنْ يستمدّون قوّتهم حتى تُسوّل لهم أنفسهم «تأديب» من يمسّ بأيٍّ من رموزهم؟ ومن يتحمّل وِزر كل هذا؟لا يزال دويُّ قذيفة الـ«أر بي جي» التي أردت ابن بلدة الشويفات الشاب علاء أبو فرج صريعاً في أيار 2018 يتردّد في البلدة. والحماية السياسية حالت دون محاسبة المتّهم أمين السوقي. الرجل القوي في حاشية رئيس الحزب الديمقراطي طلال ارسلان لا يزال فارّاً من وجه العدالة. «القبضاي» نفسه سبق أنّ حطّم أحد مراكز الاقتراع في الانتخابات النيابية عامذاك، لكنّه لم يحاسب. عاد وشارك في اشتباك سُفك فيه الدم، ولم يُحاسب أيضاً. خرج ارسلان ليؤكّد براءته.

(هيثم الموسوي)

هذا مع تكرار لازمة أنّ المتهم بريء حتى تثبته إدانته، لكنّ قرينة فراره تشي بعكس ذلك في ظلّ ضمانات سياسية وقضائية بأنّه لن يُظلَم. إذ كيف سيُظلم فيها من كان رئيسه أحد «أعمدة» الحُكم؟ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط سلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إقراراً بإسقاط الادّعاء الشخصي في الجريمة، شرط تسليم السوقي، لكنّ ذلك لم ينفع.
ما سبق وغيره من حوادث، ظهّر قوة ارسلان، لا سيما الحظوة التي كانت تحول دون محاسبة أنصاره. فكانت مقدمة أُتبِعت بسلسلة اعتداءات نفّذها أنصار المير. باكورة استعراض القوة هذا كان عبر تنفيذ مجموعة مرافقين لرئيس مجلس إدارة مصرف الموارد مروان خير الدين اعتداء على الزميل محمد زبيب في شارع الحمرا في بيروت. لم يطُل الأمر حتى أُوقف اثنان من المعتدين، ليتبيّن أنّ ثلاثة آخرين اختبأوا في خلدة. بدأت اتّصالات ليقوم مسؤول الأمن لدى ارسلان أكرم مشرفية بتسليمهم إلى فرع المعلومات. أقرّ هؤلاء بتنفيذ الاعتداء مؤكّدين عدم علم خير الدين، وأنهم «تصرّفوا» من تلقاء نفسهم دفاعاً عن «الريّس». وقد يكون ذلك صحيحاً فعلاً، إلّا أنّ الثابت أنّ هؤلاء القبضايات فصلهم المير ارسلان ليكونوا حرساً لخير الدين. وفوق ذلك، لم يتم توقيفهم سوى أربعة أيام فقط.
لم يطُل الأمر كثيراً. هذه المرة اعتُدي على الناشط والمحامي واصف الحركة. بكل وقاحة، وعلى طريقة المافيا، تعقّب حرس الوزير مشرفية المحامي الحركة. والهدف أيضاً تأديبه لكونه تجرّأ على دخول وزارة الشؤون الاجتماعية المطوّبة لوزير اختاره المير. وقد أراد المرافقون أن يُثلجوا قلب الوزير الذي استاء من اقتحام وزارة الشؤون الاجتماعية كثيراً.
مسؤول الحماية الخاص بمشرفية، لواء مسعود، عيّنه ارسلان نفسه، قبل أن يختار مسعود المرافقين الآخرين. وبيّنت التحقيقات أنّ هذه المجموعة نفسها سبق أن اعتدت في آذار الماضي على الناشط فراس بو حاطوم لكتابته منشوراً على صفحته على فايسبوك وجدوا فيه إساءة للمير.
معلومات أمنية ترجّح أن الوزير مشرفية كان يعلم مسبقاً بالاعتداء!


الوزير مشرفية ادّعى على الموقوفين، فيما تقول مصادر أمنية إن محادثات وُجدت على هاتف أحد الموقوفين تسمح بالاشتباه في أنّ «معاليه» كان على علم بالاعتداء.
اعتاد سكان هذه البلاد على الحماية التي يؤمّنها السياسيون والطوائف وأصحاب الأموال لأزلامهم. لكن ظاهرة مرافقي ارسلان ودائرته المقرّبة تبدو لافتة. إذ إن القوى المعتدية تعتمد عادة على أشخاص بعيدين عن دائرة القرار لتنفيذ الاعتداءات. فضلاً عن أن القوى السياسية والطائفية والمالية، ورغم ضيق صدرها بالانتقاد، باتت أكثر تقبّلاً من ذي قبل لوجود من يهاجمها على وسائل التواصل الاجتماعي. فلماذا يلجأ المقرّبون من «المير» إلى هذا الأسلوب؟ وهل هو بقرار «مركزي»؟
اتّصلت «الأخبار» بمدير الإعلام في الحزب الديمقراطي اللبناني جاد حيدر الذي أكّد أنّ الحزب يغسل يديه من هذه «الاعتداءات المشينة»، معرباً عن استنكارها بشكل كامل. وتحدّث حيدر عن رفع رئيس الحزب طلال ارسلان الغطاء عن أي مُخلٍّ بالأمن، كاشفاً أنّ ادّعاء الوزير رمزي مشرفية على المعتدين كان خير رسالة للتعبير عن مدى الاستياء. وكشف حيدر أنّ الوزير مشرفية سبق أن تقدّم بادّعاء ضدّ من اقتحم وزارة الشؤون الاجتماعية من دون أن يُعلن ذلك في الإعلام للتعبير عن استيائه مما حصل وتمسّكه بالقانون. وردّاً على سؤال عن سبب تكرار هذا النوع من الاعتداءات، قال حيدر إنّ بعض المعتدين لا يعرفهم أحد من الحزب الديمقراطي أصلاً، إنما تصرّفوا من تلقاء أنفسهم. واعتبر أنّ من الظلم إلقاء المسؤولية على المير ارسلان الذي لم يتدخّل يوماً لحماية أحد!