عندما أعلن وزير الصحة حمد حسن، ظهر أمس، تسجيل 161 إصابة بفيروس كورونا «حتى الساعة» (قبل أن تعيد الوزارة تصحيح الرقم لاحقاً، مشدّداً على «أننا بتنا في منحنى خطير»، كان يقوم بجولة تفقدية على مُستشفى ضهر الباشق (المتن) ومُستشفى بعبدا الحكومي ضمن «إطار رفع جهوزية المُستشفيات الحكومية» لمواجهة الفيروس. إلا أن أرقام الإصابات التي تواصل الارتفاع، منذ التاسع من الجاري (وصل عدد الحالات الحرجة أمس إلى 22 وعدد المُقيمين في المُستشفيات إلى 70)، مؤشر إلى حجم البطء في معالجة الواقع الوبائي المُستجد، ما ينسف أسلوب «شراء الوقت» الذي تغنّت وزارة الصحة، وخلفها الحكومة، باعتماده سابقاً.حمد قال أمس إن الأطقم الطبية جاهزة لاستقبال الناس «وعلى المواطن اللبناني الالتزام». لكن ما لم يقله هو أنّ آلية نقل المُصابين إلى مراكز الحجر لم تتضح بعد، وفق تأكيد مصادر في لجنة التدابير الوقائية لمكافحة فيروس كورونا، في حين أنه كان يفترض أن يبدأ تطبيق توصيات نقل المُصابين الجدد إلى مراكز الحجر تجنّباً لانتقال العدوى إلى أفراد أسرهم، كما وعد حسن نفسه قبل أيام. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هي: هل بدأ العمل بمراكز الحجر الثمانية وفق ما كان مُقرراً؟ ولماذا يُعمل الآن على رفع جهوزية المُستشفيات الحكومية؟ وماذا عن المُستشفيات الحكومية العشرة الذي أعلن عن تجهيزها قبل خمسة أشهر، وإذا كانت مجهّزة فعلاً لماذا لا يزال الحمل مُلقىً بشكل «حصري» على عاتق مُستشفى رفيق الحريري الحكومي؟
الإجابة عن هذه التساؤلات أمر ضروري لفهم المقصود بعبارة «جهوزية الأطقم الطبية»، في ظلّ واقع صحي واستشفائي مترنّح منذ أشهر بفعل الأزمة الاقتصادية. وبسبب الأزمة نفسها، لا يزال خيار العودة إلى الإقفال التام مستبعداً، على رغم الارتفاع المطّرد في أرقام الإصابات، إذ أعلنت وزارة الصحة أمس تسجيل 156 إصابة (132 مقيماً و24 وافداً)، ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 3258 وعدد المُصابين الفعليين إلى 1596.
القادمون من كلّ دول العالم قد يحملون نوعاً من الفيروس أشدّ فتكاً


ويأتي الإصرار على عدم الإقفال في وقت باتت هناك خشية فعلية يعبّر عنها متخصصون من انتشار نوع جديد من الفيروس أكثر فتكاً. البروفسور المتخصص في الأمراض الجرثومية والمعدية جاك مخباط قال لـ«الأخبار» إن «حركة» الفيروس المُستجدة في لبنان قد تكون بسبب الطفرة الجينية التي شهدها العالم في الأسابيع الأربعة الماضية، والتي فاقمت من خطر الفيروس وجعلته أكثر قدرة على الانتقال وبالتالي الانتشار. ويؤكد مخباط أن الآتين من أفريقيا «ليسوا وحدهم من قد يكونون مُحمّلين بالنوع الصعب من الفيروس، بل أيضاً القادمون من أوروبا وأميركا الشمالية». إلا أن ارتفاع أعداد الحالات الحرجة والمُصابين الذين تستدعي حالتهم الاستشفاء لا يرتبط، بحسب مخباط، بـ «طبيعة» الفيروس أو بطفرته الجينية، لافتاً إلى أن «ما نشهده هو نتيجة طبيعية للإصابات المرتفعة التي نُسجلها والتي أسفرت عن ولادة بؤر وبائية في مختلف المناطق، إذ أن الفيروس لم يعد ممسوكاً». وشدّد على أن «الخوف ليس من الوافدين فقط، بل من المُقيمين الذين أظهروا سلوكاً متهوراً واستهتاراً كبيراً إزاء التعاطي مع الفيروس».
في ضوء ذلك كله، وفي وقت أكد مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية مايك رايان أنه «لن يتوفر لقاح ضد الفيروس قبل عام 2021»، فإنّ الخيار الوحيد الذي بات متروكاً للمُقيمين هو خيار العزل الذاتي كبديل عن إجراءات الإقفال لحماية أنفسهم من الخطر المحدق بهم، وخصوصاً أن السلطة التي تعترف بالواقع الخطير، تراهن على خوف المُقيمين لحماية أنفسهم وتلقي المهمة على عاتق البلديات والسلطات المحلية.