كانَ يُظَنّ أن حسان دياب لا يتزحزَح عن منصِبه. لكن رئيس الحكومة «العنيد» اهتزّ. هالَه مشهدان: «يومُ الحساب» الذي استحالَ غضبة سياسية في الشارع، وكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حكومة «الوحدة الوطنية»، امتداداً للإصرار على مسار الإصلاحات كجسر عبور للإنقاذ المالي. شعرَ دياب من حديث ماكرون بأن هناك مناخاً تفاهميّاً ونية لعودة الأصيل، ففضّل البحث عن مخرج لائِق لنفسه، يُرضي من خلاله الشارِع والخارج معاً، بعدَ إفشاِله في تطبيق الإصلاحات وتنفيذ ما جاء في البيان الوزاري. وفي الوقت ذاتِه، ظهَر كمن يناور، بوضع القوى السياسية تحتَ الضغط، عبرَ تهديده بالاستقالة بعدَ شهرين، علّه يرفَع عنه الخناق ويسمَح له بتنفيذ بعض الإصلاحات. لكن المفاجئ في بيان دياب الذي تلاه أول من أمس، على مرأى المشانق والمحاكِم الميدانية، كان في طرحه الانتخابات النيابية المُبكرة. وهو ما لم يكُن مُنسّقاً مع القوى الممثلة داخِل الحكومة، ولا يبدو مقبولاً عندها. كما أنه ليس مُستساغاً عندَ كل القوى المعارِضة.الزمن ليس ٢٠٠٥. القوى السياسية. الناس، الشوارع، التحالفات كلّها ليستَ كما ٢٠٠٥. السيناريو نفسه. زلزال أمنيّ فغصب شعبي يجري توظيفه، ثم الدعوة إلى إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات نيابية وقلب الموازين، لكن «الفيلم محروق» ولن يُعاد إنتاجه. بلا أدنى شكّ، إن المشهد اليوم أكثر دراماتيكية، فالدولة ومؤسساتها سبقت مدينة بيروت إلى الانهيار. صور الحطام الذي خلّفه الفساد ليسَت سوى انعكاس لصورة الدولة المفلسة العاجزة والمهدومة. إفلاس مالي واقتصادي وحصار كُسر جزئياً من جرّاء زلزال المرفأ. كلّه لا يلغي حقيقة تبدّل الواقع السياسي في المنطقة، ومفاوضات تشق طريقها بعناية وسط الصواعق. وهذا ما يجعَل من تكرار المسار الذي لحِق باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي حاول بعض الأطراف السياسيين فرضه، بلا جدوى حتى الآن.
حين أعلنَ دياب نيته طرح مشروع قانون الانتخابات المبكرة على مجلس الوزراء، فتَح باباً لعشرات الأسئلة عمَّا يُحاك خلف الكواليس، وهل كانَ الطرح ترجمة لحركة سياسية تَعمل في الغرف المُغلقة تجاوباً مع زيارة ماكرون، ليتبيّن أن ما قاله هو مِن بنات أفكاره، والغالبية الوازنة من القوى السياسية لا ترفضه ولا تؤيده، سواء الأطراف المشاركون في الحكومة أم من هم في خارجها، ما يجعله طرحا ضعيفاً، حتى اللحظة، لأسباب عديدة:
لا فرق عند حزب الله أو حركة أمل بالنسبة إلى الانتخابات المبكرة. المسألة ليست مسألة نتائج. لقد أعطاهم بعض الخصوم في الشارع هدية مجانية، باستفزاز شارعهم ودفعه أكثر إلى التشبّث بهما. قد يرفض الطرفان الاقتراح، بسبب عدم السماح للأطراف الذين كشفوا باكراً عن مشروعهم بالتحكم في الساحة السياسية.
جنبلاط في انتظار ما سيحمله الموفد الأميركي ديفيد هيل


رُغم التنسيق الذي حصل بينَ «المستقبل» و«القوات» و«الاشتراكي» بشأن الاستقالة الجماعية من مجلِس النواب، لا يصبّ الذهاب إلى انتخابات نيابية مُبكرة في صالح سعد الحريري. رئيس تيار «المُستقبل» مأزوم إلى درجة كبيرة. جرت مُحاصرته بشكل مُحكَم، بينَ التلويح له بورقة شقيقه بهاء الحريري (كانَت له إطلالة على قناتي «سي أن أن» الأميركية و«سكاي نيوز عربي» الإماراتية) وبينَ إدراكه أنه سيخسر جزءاً من كتلته في أي انتخابات، فضلاً عن أن الحريري لا يزال يُحاذِر الدخول في صدام مع حزب الله، ويحيّده عن المعركة مع دياب والعهد. وبحسب الأجواء، يبدو الحريري هو «الأعقل» بينَ وليد جنبلاط وسمير جعجع، وهذا ما يُفسّر المعلومات التي تحدثت عن عدم حماسته للاستقالة، لاقتناعه بأن الأولوية في هذه اللحظة الدولية هي للحديث مع الجميع.
الأكيد أن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس تكتّل «لبنان القوي» جبران باسيل لن يُقدِما على الخطوة. يتعرضان لضغط كبير «في الشارع المسيحي»، كثّفه انفجار المرفأ. وثمة همس كثير عن الكلفة التي دفعها العونيون من جرّاء أداء السنوات الماضية، سواء لجهة التحالفات أو أداء التيار نفسه. لكن عون لن يسمَح بأن يتّم التعامل معه كما جرى مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، الذي عُزِل في قصر بعبدا بعدَ أن تسلمت ١٤ آذار السلطة. وهو يرى أن الدول التي كانت تحاصِر لبنان لم تستغل حادث المرفأ للإطباق على العهد. يستدل العونيون على ذلك بالاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب به للقول إن الوضع مُختلف، وربما كانَ لهذا الاتصال علاقة بخيبة الآذاريين الذين سعوا أول من أمس إلى ركوب موجة الانتفاضة مرة جديدة.
وليد جنبلاط لا يُمكن التعويل عليه. هو اليوم يدعو إلى انتخابات مبكرة، وقد يقول غداً إنه لا يُريدها، ثم يعيد المطالبة بها ثم يتراجع. هو ينتظر، مع آخرين، تطوّر الأحداث في الأيام المقبلة التي ستحمِل معها الموفد الأميركي ديفيل هيل إلى بيروت.