تجوز العودة، أمام العقوبات التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك) على الوزير السابق علي حسن خليل، إلى عدوان تموز. والأصح، إلى وصف المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل- فيما بعد- للرئيس نبيه برّي بأنه «شريك أساسي في الدفاع المقدس، وفي الحرب وفي النصر، وكانَ مفوضاً بالكامل من قبل السيد حسن نصر الله بالتفاوض السياسي». هذا الواقع وضع الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2006 أمام حقيقتين متلازمتين: عمق العلاقة بين حزب الله وحركة أمل، وإدراكها أن أي محاولة لإحداث تغيير جذري في موازين القوى السياسية الداخلية لا يُمكن أن يتم من دون ضرب هذه العلاقة. أما قبلَ ذلك، فلطالما كانَ بري هدفاً لأعداء المقاومة في الداخل والخارج، وهو المعروف بدوره الرئيسي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي منذ الثمانينيات.كانَ التصور السابق لدى واشنطن، ومن خلفها إسرائيل، أن المقاومة في لبنان يُمكن القضاء عليها من خلال عملية عسكرية واسعة (كعدوان الـ2006). وبعد فشل هذا الخيار، كما فشل توريطها في حروب استنزافية مثل ما حصل في سوريا، جرى اعتماد أسلوب «مركّب» من المعارك ضد المقاومة، يعتمد على الاقتصاد والعقوبات والحرب الامنية والغارات على خط إمدادها. العقوبات على حزب الله والمؤسسات التابعة له بلغت مداها الأقصى، ولم تعد تعطي أي مردود، فانتقلت واشنطن إلى التهديد بالعقوبات على حلفاء المقاومة، على اعتبار أن تجريدها من حاضنتها هو الطريق الأسرع لإضعافها. لذا وقع الخيار على المعاون السياسي للرئيس بري، وصلة الوصل الأساسية بينه وبين حزب الله، وهو ما يعكس بداية لمسار تصاعدي قررته أميركا كورقة ضغط ستُستخدم في كل القضايا والعناوين، وله بعدان: ظرفيّ، متعلّق أولاً، بتأليف الحكومة التي تريدها واشنطن على خاطرها، وتحديداً لجهة انتزاع وزارة المالية من الثنائي، وثانياً بملف الترسيم البري والبحري الذي يُصرّ بري على اعتماد الإطار الذي وضعه لبنان للتفاوض؛ وبعدٌ استراتيجي يهدف إلى تفكيك التحالف الثنائي وتطويع رئيس المجلس. بينما تعتبر العقوبات على الوزير السابق يوسف فنيانوس رسالة تتجاوز شخصه لتطال أي شخصية مسيحية تقف الى جانب المقاومة، وفي المقدمة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل. وفي هذا النزال كانَ للأخيرين حصة من العقوبات عبرَ محاولة اغتيالهما سياسياً خلال الفترة الماضية بالتصويب على العهد وتصوير باسيل كأنه المسؤول الوحيد عن كل خراب البلد.
حركة أمل: لا خسارة أكبر من خسارة المقاومة والتحالف مع حزب الله قاعدة ارتكاز أساسية


المطلوب أميركياً هو الضغط إلى أبعد حدّ. ليسَ استهداف المقاومة بالعنوان الجديد، ولا حتى العقوبات على الحلفاء الذين طالما هددتهم أميركا بها، لكن واشنطن اختصرت المسافة، ودخلت مباشرة الى «بيت الإخوة». هذا البيت الذي نجح ترابط الثنائي في حمايته من الخرق والتفتيت، وهو مشروع بدأ ساعة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وتنبّه جيداً حزب الله كما حركة أمل له، وإلى أن ما ينتظرهما داخلياً وخارجياً في اللعبة الدولية كبير جداً، فكانَ الرد (رغم الكثير من التباينات على ملفات داخلية) المزيد من التعاون والتنسيق في كل الساحات. ومثّل ذلك عنصر قوة للمقاومة في الصمود أمام الضغوط الأميركية. انطلاقاً من هنا، وفي عزّ الحصار الذي تمارسه على البلاد، أرادت الولايات المتحدة توجيه الرسالة إلى رئيس مجلس النواب عبر ساعده السياسي الأيمن: إما فكّ التحالف مع المقاومة وتسيير المصالح الأميركية في لبنان، أو العقاب. فهمت حركة أمل والرئيس برّي الرسالة، كما جاء في بيان الردّ على العقوبات الذي ذكر «أحرف الجرّ». وهو بيان يرفض الضغوط ويعلن الاستعداد للمواجهة، وتوخى الدقة في ربطه للعناوين السياسية، وفهمه للهدف المطلوب وغير المعلن ألا وهو «فك التحالف بين حزب الله وحركة أمل»، إذ أكد البيان أن «العقوبات لن تغير من قناعاتنا ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الإطلاق، وحدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة ولن نتنازل أو نساوم عليها مهما بلغت العقوبات والضغوطات ومن أي جهة أتت»، مشيراً إلى «الحكومة التي يعوّل عليها الجميع لإخراج لبنان من أزماته».

محاولة اغتيال عون وباسيل سياسياً جزء من معركة العقوبات الأميركية


لكن الغريب، وهو ما ذكره البيان، التوقيت الذي أُعلنت فيه هذه العقوبات. فهي أتت في ظل مبادرة فرنسية تحاول فكّ الحصار عن لبنان والعمل على مؤتمر حوار وطني في فرنسا. فهل هذه العقوبات هي محاولة لضرب المبادرة الفرنسية؟ وهل من شأنها أن تُعيق تأليف الحكومة؟ فضلاً عن موضوع الترسيم البري والبحري للحدود مع فلسطين المحتلة، والذي تؤكّد مصادر في حركة أمل أن «الاتفاق الإطار الذي وضعه بري بينَ يدي الأميركيين كقاعدة للتفاوض لن يكون موضع تنازل مهما حاولوا». هذه الأسئلة هي جزء من حصيلة النقاش الذي جرى في الاجتماع الاستثنائي للمكتب السياسي في حركة أمل يوم أمس، والذي أكد فيه بري والمجتمعون «التشدد أكثر في المواقف السياسية، لأنْ ليسَ هناك من خسارة أكبر من خسارة المقاومة». فالمحافظة على هذا التحالف هو «حفاظ على التماسك داخل البيئة الشيعية في هذه المرحلة الحساسة، وخط دفاع عن المقاومة من خلال حماية قاعدتها وجبهتها الخلفية، وقاعدة ارتكاز أساسية في المعادلة السياسية الداخلية». كما أن هذه العقوبات لن تدفع بحركة أمل وحزب الله إلى التنازل في موضوع الحكومة، خاصة «بعدَما بدأت تتكشف لعبة سحب وزارة المالية من الثنائي. وعليه، إذا كان الهدف من هذه الحكومة حصد المزيد من التنازلات، فليفرضوا عقوبات كما يشاؤون»، على حدّ قول مصادر الثنائي.



حزب الله: العقوبات وسام شرف
تعليقاً على القرار الأميركي بفرض عقوبات على الوزيرَين السابقَين علي حسن خليل ‏ويوسف فنيانوس، أصدر حزب الله بياناً قال فيه:
أولاً، في الجانب المعنوي إننا نرى أنّ هذا القرار الجائر هو وسام شرف للصديقين العزيزين ولكل ‏من تتهمه الإدارة الأميركية بأنه مقاوم أو داعم للمقاومة.‏ ثانياً، إنّ الإدارة الأميركية هي سلطة إرهابية تنشر الخراب والدمار في كل العالم وهي الراعي ‏الأكبر للإرهاب الصهيوني والتكفيري في منطقتنا ولا يحقّ لها أساساً أن تصنّف الشرفاء ‏والمقاومين وتصفهم بالإرهاب وكل ما يصدر عن هذه الإدارة مدانٌ ومرفوض. ‏ثالثاً، إن سياسة العقوبات الأميركية هذه لن تتمكّن من تحقيق أهدافها في لبنان ولن تؤدّي إلى ‏إخضاع اللبنانيين وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم الوطنية السيادية، بل ستزيدهم تمسّكاً بقرارهم ‏الحر وكرامتهم الوطنية وسيادتهم الكاملة، وإن المواقف الصادرة عن هيئة الرئاسة في حركة أمل ‏وعن رئيس تيار المردة تؤكد هذه الحقيقة. ‏إننا في حزب الله نؤكد تضامننا مع الأخوين العزيزين ووقوفنا إلى جانبهما ونحيي موقفهما الثابت ‏والراسخ والمضحي من أجل الدفاع عن لبنان وحريته وكرامته. ‏


فرنجية: لن نخجل بمواقفنا
رأى رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه أن «القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق الوزير يوسف فنيانوس هو قرار اقتصاص لموقفه وقناعاته وموقعه». وقال في بيان له: «نحن كمردة لم ولن نخجل يوماً بمواقفنا بل نفتخر ونجاهر بها من منطلق إيماننا بأرضنا وسيادتنا وهويتنا. وعليه نعتبر القرار قراراً سياسياً ما يزيدنا تمسّكاً بنهجنا وخطّنا».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا