ليس النائب أسعد حردان، «أيّا كان» في الحزب السوري القومي الاجتماعي. هو الرجل «القوي» الذي كان يُمسك بمفاصل القرار، ويوجّه دفّة القيادة. «لا يُفتى وأسعد في الحزب». هكذا كان الأمين ورئيس الحزب السابق ورئيس المجلس الأعلى «يُتّهم» من قبل قوميين، صنّفوا أنفسهم في موقع المُعارضين لـ«نهجه». أسلوب عمله داخلياً أسهم في تثبيت هذه النظرية، التي عادت «وانقلبت» عليه. فحردان أصرّ، على تنظيم انتخابات للمجلس الأعلى، مُتجاوزاً النصّ الدستوري الذي يوجب عقد المؤتمر العام (تمّ تأجيله حتّى أيار 2021) للحزب قبل الانتخابات (راجع «الأخبار»، العدد السابق). نُظّم الاستحقاق يوم أمس في ضهور الشوير... فحلّ حردان في المرتبة ما قبل الأخيرة مع 278 صوتاً، مُتقدماً فقط على بدري حجل الذي نال 276 صوتاً. ساعده في النجاح أنّ الفريق الرابح رشّح 16 شخصاً من أصل 17 مُرشحاً، في خطوة فُهم منها ترك المقعد الأخير شاغراً ليفوز به «قائدهم السابق». ما حصل «جذري وليس أمراً عابراً ويجب الترّوي في مقاربته»، على حدّ وصف أحد الأُمناء المعارضين لحردان. التوقّف عند نتائج 13 أيلول، لا يقتصر على ما حصده حردان. فمرّة جديدة، يُقدّم الحزب القومي نموذجاً في العمل الحزبي، ويُظهر «حيوية» واندفاعاً وقدرة مؤسساتية على إعادة إنتاج القيادة بطريقة يفتقدها معظم الأحزاب العاملة في لبنان.من أصل 1025 أميناً يحقّ لهم الاقتراع، حضر 532، خطّ الفوز مُحدّد بالحصول على النصف زائداً واحداً من الأصوات. الرقم المُتدني للمشاركين يعود إلى سببين: الظروف الصحية التي منعت قوميين في الاغتراب من القدوم، وحملة المقاطعة التي دعا إليها المُعارضون لـ«عدم دستورية الانتخابات». فكانت ساحة المنافسة مقسومة بين فريقين، كانا قبل أشهر يُشكّلان حلفاً داخلياً واحداً. أربعة من القوميين وضعوا «إجرْ» في لائحة و»إجرْ» في اللائحة الثانية، فاعتُبروا مُرشحي الفريقين: عامر التلّ (حلّ في المرتبة الأولى ونال 489 صوتاً)، اياد معلوف، محمود أبو خليل، ربيع بنات. فاز الأربعة، وإضافةً إليهم (وإلى حردان وحجل) نجح كلّ من: حسّان صقر، خالد الحافظ، معتز رعدية، حافظ يعقوب، سمير ملحم، أسعد خبّاز، عبد الله الراشد، حسام العسراوي، محمد عواد، خليل خير الله، وسام قانصو.
تؤكّد أوساط الأعضاء الفائزين أنّ «هذا ليس انقلاباً على الأمين أسعد. بالعكس، دوره الحزبي وخبرته محفوظان ولا سيّما أنّنا مُقبلون على اعتماد نهج جديد، نُريد أن يكون حردان إلى جانبنا». فالعنوان في المرحلة المُقبلة سيكون «لمّ الشمل، وهناك فرصة لنعمل معاً، والمؤسسات قادرة على أن تحمل كلّ الآراء». الإيجابية التي يتحدّث بها الرابحون، لا تحجب «دلالة» أن يكون من فاز في الانتخابات على حردان هم المحسوبون عليه داخلياً، والأعضاء الذين كان يعتمد عليهم في كلّ المحطات الحزبية، وقد يكون من أبرزهم عميد الدفاع زياد معلوف، الذي يتولّى مهمة مُتقدمة على الجبهة في سوريا. الردّ يأتي بأنّه في السنوات السابقة، كان حردان «رئيساً وكنّا إلى جانبه انطلاقاً من هذا الموقع. ولكن كان هناك العديد من الملاحظات، وتحديداً حين قرّر حردان تزكية حنّا الناشف وفارس سعد لرئاسة الحزب. عبثاً حاولنا إقناعه بوجود خيارات أخرى». وحتى خلال مفاوضات ما قبل الانتخابات، «طرحنا وضع صيغة مُحدّثة وترشيح وجوه جديدة، على أن يكون هو الراعي أو الحَكم بيننا جميعاً. لم نرَ تجاوباً». الاستحقاق لم يكن مُوجّهاً ضدّ حردان بقدر ما كان أنّه «في ظلّ الأحداث في لبنان والمنطقة، الحزب القومي بحاجة إلى طريقة جديدة في الإدارة والعمل مع القوميين والجمهور. كلنا مُتفقون على الخيارات السياسية نفسها». خلافاً للسنوات السابقة، كانت مُشاركة مُنفذيات الاغتراب شبه معدومة. ومن الأردن لم يحضر سوى التلّ، أما من أتوا من الشام (الجمهورية العربية السورية) فأكثريتهم صوّتوا للائحة المُعارضة لحردان. تؤكد المصادر أنّ «هذه ليست رسالة سياسية، فموقف القيادة السورية كان عدم التدخل في هذه الانتخابات كما في سابقاتها». تفسير الأمر قد يكون له علاقة بـ«مَونة» زياد معلوف على المنفذيات في الشام، بسبب تردّده الدائم والدور الذي يلعبه منذ بداية الحرب السورية.
أعضاء المجلس الأعلى الـ17، سيجتمعون بعد أسبوعين لانتخاب رئيس المجلس الأعلى، وناموسه، والرئيس الجديد لـ«القومي». يرفض الرابحون الإفصاح عن الاسم المُتفق عليه لتولّي المناصب، النقطة الوحيدة المؤكدة هي أنّ مُخطّط حردان في تنظيم انتخابات تُعيد إنتاج سلطة برئاسته قد فشل. وقد أدّى قراره إلى مقاطعة نسبة كبيرة من القوميين للانتخابات، فكيف سيردون بعد نتائج أمس؟ صباح الثلاثاء سيعقدون اجتماعاً موسّعاً «يُصار خلاله إلى قراءة النتائج، وتحديد خارطة الطريقة للمرحلة المقبلة». ثمة رأي بين المعارضين مُقتنع بأنّه «لا الانتفاح الكلّي من دون ضوابط أمر مرغوب به، ولا السلبية المُطلقة أيضاً، فمقاطعتنا كانت غايتها إيجابية لإنقاذ الحزب». القومي السوري الاجتماعي يُعاني من أزمة عميقة، «لا يحلّها عامل لوحده: لا الرابحون في انتخابات أمس، ولا عزل أسعد حردان يحلّها، ولا مقاطعة المعارضين المطلقة. من الضروري أن نلمّ شمل الحزب بأعضائه كافة، وأن تكون نتائج أمس بداية لإعادة بناء حزب النهضة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا