قدّرت مصادر مالية داخل الجامعة الأميركية في بيروت قيمة الحساب المالي الاحتياطي للجامعة بنحو 600 مليون دولار أميركي، ما يدحض مزاعم إدارة الجامعة، ورئيسها فضلو خوري، حول «الأوضاع الاقتصادية الصعبة» التي دفعت هذه المؤسسة الأكاديمية العريقة الى «مجزرة» صرف 623 موظفاً وعاملاً في الجامعة ومستشفاها في حزيران الماضي.المصادر نفسها أكّدت لـ«الأخبار» أن راتب خوري الذي يصل الى نحو مليون دولار سنوياً «لا يزال يُحوّل، بالدولار، إلى حساب له في الخارج»، وأن الأمر نفسه ينطبق على المقرّبين ممن يُسمّون بـ«حاشية الرئيس»، في وقت تُسدّد فيه رواتب معظم الأساتذة والموظفين بالليرة اللبنانية.
وعلمت «الأخبار» أن عدداً كبيراً من المصروفين أجبروا على توقيع براءات ذمة بقيمة أقل من مستحقاتهم بحجة عدم توفر الأموال الكافية لدى الجامعة، من دون الاستعانة بالحساب الاحتياطي لتسديد هذه المُستحقات.
قرائن كثيرة تدحض مبررات إدارة خوري لـ«مجزرة» الصرف، وتترافق مع استنسابية فادحة يمارسها «الزعيم» على خلفيات طائفية. فقد أعقبت عملية صرف الموظفين تعيينات جديدة وترقيات لعدد من الأشخاص أقدمت عليها الإدارة، ما يدفع إلى التساؤل كيف أن لمؤسسة مُفلسة أن توظف أشخاصاً وترفع درجات عاملين لديها، مع ما يرتّبه ذلك من أعباء إضافية؟
هذه الشكوك تُضاف إلى جملة معطيات سابقة تجعل من خلفيات الصرف «مشبوهة»، وبعيدة من الشق المالي، أبرزها تلك المُتعلّقة باستثمارات الجامعة السياحية في منطقة البحر الكاريبي وأميركا والمُقدّرة بملايين الدولارات (آخر إحصاء عام 2017 من سجلات الضرائب الأميركية يبيّن أن مجموع قيمة هذه الاستثمارات بلغ 93 مليون دولار)، فيما تُغدق الجامعة على أفراد غير لبنانيين وحكومات بملايين الدولارات تبرعات.
والأخطر في هذا الشأن ما ينقله عدد من موظفي الجامعة الحاليين، الممتعضين من أداء خوري، عن إجراءات ذات «خلفيات طائفية» تمارسها إدارة خوري. «فإلى جانب أن معظم من صُرفوا كانوا من خلفية طائفية معينة، كان لافتاً أن معظم الترفيعات والتعيينات الجديدة تعود لأشخاص ذوي خلفية طائفية أخرى. كذلك، فإن معظم من أعيد النظر في صرفهم ذوو خلفية طائفية معينة». وهذا ما دفع، بحسب المصادر نفسها، إلى طرح عدد من أعضاء مجلس الأمناء تساؤلات حول خلفية هذه الإجراءات، وخصوصاً لجهة تأثيرها على سمعة الصرح الأكاديمي الذي بقي لعقود يتغنّى بعلمانيته وبتجرده من الموبقات الطائفية.
وعن سبب عدم جهر هؤلاء باعتراضاتهم، أجابت المصادر بأن خوري «يحظى بدعم واسع من رئيس مجلس الأمناء فيليب خوري، ما يجعل مهمتهم صعبة».
كذلك يعبّر أساتذة كثر عن امتعاضهم من أداء خوري، وخصوصاً لجهة تأثير سياسته الإدارية على المستوى الأكاديمي للجامعة، بفعل «تهشيل كثير من الأساتذة الكفوئين. إذ سجلت مغادرة عدد من الأسماء الأكاديمية اللامعة نتيجة السياسات الإدارية للجامعة، فيما معيار التعيينات الجديدة مرتبط بشكل أساسي بالولاء لرئيس الجامعة».
سجّلت مغادرة عدد من الأسماء الأكاديميّة اللامعة نتيجة سياسة الإدارة


هؤلاء شكوا مما سمّوه «حاشية» خوري الضيّقة التي تضمّ عدداً من الموظفين من لون سياسي واحد، «وباتوا يُشكّلون حاجزاً قوياً أمام التواصل المباشر مع الرئيس». وبحسب المصادر، فإن «هذه الجماعة تغربل الأشخاص الذين يريدون مقابلة خوري، الذي ينصاع بدوره لمشورتهم. وهذه المرة الأولى التي يشعر فيها الأساتذة بأنهم بعيدون الى هذه الدرجة من رئيس الجامعة».
ويُعزّز هذه الاتهامات، سجلّ خوري في ملف التثبيت الذي أثاره عشرات الأساتذة في كانون الأول عام 2018، عندما حُرم هؤلاء من نيل درجة الـ tenure (ينالها الأستاذ بعدما يكون قد أثبت كفاءته وتأهله للتثبيت) بسبب عدم رضى الإدارة عنهم، فيما ثُبّت البعض بعيداً عن المعايير العلمية والمهنية . الأمر نفسه تكرر في آب عام 2019، عندما سيقت اتهامات للإدارة باعتماد الاستنسابية وباستخدام ملف التثبيت لإقصاء غير المرضيّ عنهم، بالرغم من كفاءتهم العلمية المشهود لها (معظم من رُفضوا مضى على تدريسهم في الجامعة نحو عشر سنوات على الأقلّ).
هذه المعلومات قد لا تكون مُفاجئة لكثير من أهل الصرح الأكاديمي ممن لمسوا، منذ تولي خوري الرئاسة، تحوّل الجامعة إلى وكر للمحسوبيات، ويتوقّعون مزيداً من التدهور واللامهنية ما لم يتخذ أصحاب القرار العقلاء في الجامعة قراراً بفرملة السلوك الأحادي الذي يمارسه «إمبراطور الأميركية» على حساب مئات من الموظفين والتلامذة، والأهم، على حساب تاريخ من المستوى الأكاديمي والمهني لطالما تغنّت به إدارتها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا