معمل دير عمار لتوليد الكهرباء لا يخلّف في المنية وجوارها إلا موتاً ومآسي، فيما لا يرى أهالي المنطقة للكهرباء أثراً مع تراجع ساعات التغذية. التلوث الناتج عن المعمل الذي أدى إلى ارتفاع كبير في حالات الإصابة بالسرطان بين أبناء المنطقة، والإضرار بالمحاصيل الزراعية، والتسربات النفطية الناتجة عن إفراغ حمولات المازوت والفيول، هي بعض من وجوه الموت المتعددة للمعمل. موت المؤهل أول في فوج المغاوير البحرية في الجيش ابراهيم ملص، الأسبوع الماضي، كشف عن وجه جديد سببه الإهمال التقني في تشغيل دير عمار.ملص (37 عاماً ووالد لأربعة أطفال)، أحد أمهر الغطاسين في الجيش، كان يمارس هواية الغطس على شاطئ المنية عندما جرفه تيار مائي ناتج عن عملية سحب المياه إلى معمل دير عمار قبل أن «يبتلعه» أحد الأنابيب. وبحسب المعلومات فإن هناك «قسطلين» ضخمين يمتدّان داخل البحر يُستخدمان لتبريد المجموعات البخارية في المعمل، وقد تعطّل أحدهما بعد تراكم النفايات داخله وإغلاقها لفوهته بسبب عمليات الشفط لتبريد محوّلات المعمل. وكان يفترض بشركة Primesouth التي تتولّى تشغيل المعمل وصيانته (بعقد قيمته 360 مليون دولار يمتد على خمس سنوات)، أن تعمل على تنظيفه بحقنه بالمياه وبمواد كيماوية، إلا أنها توفيراً للنفقات لجأت إلى فتح إحدى «المناهل» (فتحات كبيرة على ظهر الأنابيب تستخدم في عمليات الصيانة والتنظيف) التي لا تبعد عن الشاطئ أكثر من 150 متراً، من أجل تعويض نقص المياه المسحوبة عبر الفوهة.
لجأت الشركة المشغلة إلى حلّ خطِر توفيراً للنفقات!

جرى ذلك من دون وضع أي إشارات تحذيرية في المكان رغم أن كمية المياه التي تُسحب عبر الشفط، بحسب مهندسين متخصصين، كبيرة جداً وتوازي مياه نهر جار، نتيجة نزع الفلاتر التي تخفف من الضغط. ضغط المياه «سحب» ملص الذي علق على شبكة الفوهة حتى فارق الحياة، ولم يجر انتشال جثته قبل صباح السبت، بعدما اضطرت الشركة إلى إطفاء المعمل بشكل كامل، ليتمكن عناصر تابعون للبحرية في الجيش من سحب جثته. علماً أن «المناهل» لا تزال مفتوحة حتى الساعة. فيما علمت «الأخبار» أن عائلة الضحية بصدد «رفع دعوى قضائية ضد الشركة المشغلة وكل من يظهره التحقيق مشاركاً أو فاعلاً أو مسبّباً عن قصد أو غير قصد بعملية الإهمال» التي أدت إلى مقتل ابنهم.
تجدر الإشارة إلى أن أبناء المناطق المتضررة سعوا أخيراً إلى إجبار الشركة المشغلة على تركيب فلاتر خاصة بتنقية الدخان المنبعث من المعمل وتغيير نوعية الفيول والمازوت المستخدم لتخفيف حدة التلوث والأدخنة التي أدت إلى الإضرار بأشجار اللوز والزيتون فضلاً عن آثارها الصحية. إلا أن أيّاً من هذه المطالب لم يتحقّق.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا