النزاع بين وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب والرئيسة السابقة للمركز التربوي للبحوث والإنماء ندى عويجان لم ينتهِ بعد. قرار مجلس شورى الدولة الصادر أخيراً، والقاضي بوقف تنفيذ قرارات وزير التربية بإعفاء عويجان من مهامها في رئاسة المركز، أثار جدلاً في الأوساط القانونية والتربوية والإدارية. الوزير، من جهته، لم يستجِب لقرار المجلس وأتى ردّه سريعاً من خلال القرار 446/م/2020 بتاريخ 02/10/2020، الذي ألغى القرار 17/م/2015 وتعديلاته (استعانة وزارة التربية بالخدمات الاستشارية لعويجان وتكليفها بمهام المركز التربوي، على أن تعود إلى عملها الأساس في الجامعة اللبنانية، مع الاستمرار في تكليف جورج نهرا برئاسة المركز). واستند في قراره إلى أنّ تكليف عويجان، الأستاذة المتفرغة في الجامعة وغير المنتمية إلى الملاك آنذاك، مخالف لقانون تنظيم أفراد الهيئة التعليمية في «اللبنانية»، كما أنّ مهام رئاسة المركز تنفيذية وليست استشارية، وبالتالي فإنّ «تكليف عويجان بمهام الرئاسة في ظل ظروف غير استثنائية يكون تجاوز ما هو مسموح لها القيام به من أعمال استشارية من جانب المؤسسة التي تنتمي إلى ملاكها اليوم (الجامعة اللبنانية)، ولا يسع وزير التربية أن يتخطى حدود ما تقرره الجامعة (القيام بمهام استشارية)» رغم أن له سلطة وصاية على الجامعة والمركز التربوي. كذلك بنى المجذوب قراره على اجتهاد مجلس شورى الدولة الذي يجيز للإدارة الرجوع عن قرارات التكليف في أي وقت استناداً إلى أحكام المادة 49 من نظام الموظفين التي تحظر أي حالة غير حالات الأصالة أو الوكالة أو الانتداب.عويجان أكدت لـ «الأخبار» أنها مستمرة في الطعن «وليأخذ القضاء مجراه. وعندما يصدر القرار القضائي لن أطلب موافقة أحد للذهاب إلى عملي». ولفتت إلى أنها لا تزال في ملاك الجامعة، وخلال وجودها في المركز التربوي كانت تزاول عملها في الجامعة، وبالتالي لا داعي لإعادتها إلى الملاك لأنها لم تخرج منه أصلاً. واتهمت المجذوب بأنه «يتعاطى مع الموضوع بشخصانية بعيداً عن احترام تطبيق القانون»، و«قرار مجلس شورى الدولة اتُّخذ بالإجماع، وأوقف تنفيذ 4 قرارات لوزير التربية ما أفقده صدقيته أمام الرأي العام. لكنه تمادى في المخالفات، إذ تحدّى قرار الشورى وأصدر قراراً جديداً بالموضوع نفسه وبالنصوص نفسها للقرارات المطعون فيها».
القراءات تعدّدت لقرار مجلس شورى الدولة. أستاذ الدراسات العليا في القانون الإداري العام في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، وفيق ريحان، أكد أن «قرار وقف تنفيذ القرارات الأربعة سليم، نظراً للضرر الحاصل وللأسباب الجدية التي استند إليها... لكنه قرار إعدادي وليس نهائياً، وبالتالي لا يؤثر في نتيجة المراجعة، أي أنّه لا يحدد الحكم ولا يؤدي بالضرورة إلى إبطال القرارات، وإنما الغاية منه منع تفاقم الضرر، وإعطاء الفرصة للقضاء للبتّ في المراجعة». النزاع، بحسب ريحان، يرتبط بالصلاحيات في ظل حكومة تصريف الأعمال وحدودها التصرفية، كما يتعلق بممارسة السلطة الاستنسابية من وزير التربية وآلية ممارسة سلطة الوصاية على المركز التربوي والجامعة اللبنانية. وأوضح أن موضوع تزوير التاريخ الذي تتهم به عويجان الوزير (قرار الإعفاء صدر قبل استقالة الحكومة) «هو موضوع جزائي ولا يجوز البت به إدارياً. وسيشكل مسألة معترضة أثناء السير في المحاكمة، وهو أساسي لجهة سريان أو عدم سريان مفعول قرار الإعفاء. وهو في الحقيقة لا يستوجب موافقة مجلس الجامعة كما ذكر وزير التربية. فليس هنا محل توازي الصيغ بحسب الادعاء».
ووفق ريحان «يبدو واضحاً أن تكليف عويجان عام 2015 جرى بعد إعلام رئيس الجامعة ومن دون أخذ موافقة مجلس الجامعة، لأن المجلس لم يكون موجوداً آنذاك وفوضت صلاحياته لرئيس الجامعة، وبناءً عليه، يكون تكليفها سابقاً موافقاً للأصول الشكلية، إلّا أن ذلك لا يمنع الوزير من إلغاء قرار التكليف وليس سحبه كما ذكر، وهذا هو خطأ الوزير الحالي، من منطلق السلطة الاستنسابية إذا ما جرى ذلك بهدف تحقيق المصلحة العامة ومن دون أي تعسف، ويعود التقدير لمدى شرعية هذا القرار للقاضي الإداري في مطلق الأحوال».
ويضعف موقف عويجان، كما قال ريحان، أنها مكلفة بأعمال استشارية وليس لها صفة القيام بالأعمال التنفيذية، وفقاً للأصول القانونية، وقد لوحظ أنها كانت متفرغة آنذاك وليست في الملاك الدائم، ما يجعل قرار تكليفها مخالفاً للقانون في حينه.
عويجان: عندما يصدر القرار القضائي سأعود إلى عملي بلا موافقة أحد


لكن الوزير الذي اعترض على تكليف عويجان لأنها ليست في الملاك، ولأنها تخطت حدود التكليف إلى القيام بالأعمال التنفيذية بتولي رئاسة المركز التربوي، ومع ذلك عاد وكلّف، بحسب ريحان، أحد الأساتذة في الموضوع نفسه المعترض عليه وبالمهام نفسها، «وفي هذا تناقض واضح ويعترضه أمران: إن قرار التكليف الأخير حصل بعد استقالة الحكومة وهو عمل تصرفي قد لا يبيحه الظرف الراهن، كما أنه مخالف للأصول الشكلية لجهة عدم عرض مشروع القرار على رئاسة الجامعة، وبالتالي قد يكون مستوجباً الإبطال لهذين السببين». كذلك فإن قانون تنظيم عمل أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية واضح لجهة تكليف أساتذة الملاك بمهام ذات طابع استشاري وليس تنفيذياً أو تدخلياً في الإدارات التي يكلَّفون بها، لذلك رأى ريحان أن المطالبة بالمهام التي مارستها عويجان ليس في محله القانوني، وكان من الأفضل تعيين مدير عام بالأصالة في المركز لتلبية المهام بالشكل السليم والقانوني، بدلاً من التكليف الذي استمرّ خلافاً للأصول لسنوات طويلة.
لا ينفصل قرار مجلس شورى الدولة، بحسب مصادر حقوقية، عن المعركة في الخطاب العام، إذ لم يسبق أن أدى وزير دور كاشف الفساد، وبالتالي على القضاء أن يشجع أي مبادرة باتجاه إصلاح الإدارة من دون أن يتعرض صاحب المبادرة لحملات الهجوم. وقالت المصادر إنّ العودة عن التكليف طبيعي في الإدارة والتكليف لا يرتب حقوقاً مكتسبة، مشيرة إلى أن عدم وجود نسخ في حوزة المجلس عن القرارات التي أوقف تنفيذها خطأ فادح، من هنا يستطيع الوزير طلب إعادة المحاكمة من باب الإخلال بالأصول الجوهرية للمحاكمة، ويستطيع، الشخص المكلف حالياً (جورج نهرا) الطعن لكونه متضرراً، وهو ما يسمّى اعتراض الغير على القرار.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا