بتاريخ ليس ببعيد، وتحديداً في 6 آب 2020، كان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل جالساً على الطاولة المستديرة في قصر الصنوبر، إلى جانب رؤساء الأحزاب سعد الحريري وجبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجية ووليد جنبلاط ومحمد رعد والنائب إبراهيم عازار ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. في الصورة الكبيرة، لا يبدو وجود الجميل بينهم مستغرباً، بل جرت العادة أن يكون جزءاً طبيعياً من الإطار الذي تشكله هذه الأحزاب. وبالتالي من غير المستغرب أن يكون مدعواً من ضمن الطاقم السياسي إياه الذي أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقاءه للبحث معه في حكومة جديدة. لكن المستغرب كان أن يلبي الدعوة بنفسه بينما يشقّ طريقه بين «الثوار». مصدر مسؤول في حزب الكتائب يشير إلى «مطالبة سامي الجميل في البدء بأن يكون ضمن الاجتماع الثاني مع المجموعات المدنية وهو ما لم يكن قابلاً للتنفيذ، فحضر لأهمية إيصال وجهة نظر أخرى، مؤكداً لماكرون على عدم تمثيل هذه الطبقة للشعب اللبناني ومطالباً بانتخابات نيابية مبكرة». يقول الكتائبيون ما تقدّم، فيما صرّح الحريري في مقابلته الأخيرة أن جميع الحاضرين وافقوا على كل بنود المبادرة الفرنسية، وفيما أكّد جنبلاط أن رعد كان الوحيد الذي اعترض على لهجة تخاطب ماكرون مع اللبنانيين. مرّ يومان على اجتماع «الأقطاب الثمانية» مع ماكرون، قبل أن يتقدم نواب الكتائب باستقالاتهم من البرلمان رفضاً لـ«الترقيع» كما قال رئيس حزب الكتائب آنذاك معلناً نهاية «لبنان القديم». ففي كادر الصورة الأصغر، يبدو سامي، ابن أمين الجميل وحفيد بيار الجميل وابن شقيق بشير الجميل ووارث حزب الكتائب، منفصلاً عن واقعه أو يحاول الهرب مما مثّله تاريخ هذا الحزب وقياداته في أوقات السلم والحرب. فمنذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين، أو قبلها بعامين، يحاول الجميل لعب دور المعارض مع عدم قطع الحبل الرفيع الباقي في السلطة. واليوم بعد مرور عام على الانتفاضة التي تخلّلتها استقالة نواب الكتائب سامي ونديم الجميل والياس حنكش من المجلس النيابي عقب انفجار المرفأ، هل أتم الكتائب معموديّته في ساحة الشهداء بعد أن رفض المجتمع المدني وضع يده بيد الكتائب في انتخابات 2018؟في بداية التحركات، تمركز الكتائبيون في خيمة جلّ الديب إلى جانب بعض المستقلين. لم يكن الانضمام إلى صفوف المعتصمين في ساحة الشهداء خياراً؛ فعندما توجّه قسم من طلاب الكتائب إلى الساحة، جرى عزلهم وجلسوا على أحد الأرصفة بمفردهم. تلاه رشق سامي الجميل بقارورة من المياه خلال محاولته الانضمام إلى تحرك في منطقة جل الديب نفسها. مع مرور الوقت، ومبادرة الكتائب إلى فتح بيته في الصيفي لمعالجة بعض المتظاهرين المصابين برصاص قوى الأمن والقنابل الدخانية، تم تذليل بعض العقبات بينه وبين بعض المجموعات. جاءت الاستقالة لتكمل مشروع الكتائب للانضمام إلى صفوف المنتفضين، ثم العمل على جبهة معارضة مع بعض المجموعات كـ«أنا خط أحمر» و«تقدّم» و«عامية 17 تشرين» و«لقاء تشرين» إضافة إلى النواب المستقيلين من البرلمان.
مقابل هذا الانفتاح، ثمة مجموعات ما زالت رافضة للتعاون مع ما يمثله الكتائب من إرث سياسي ومسؤولية في السنوات الماضية. لكنها لا تعارض انضمام الكتائب أو أي من جماهير الأحزاب إلى تحركاتها طالما أن الالتزام بشعارات النشاط الرئيسة قائم. منذ البداية «رحّبنا بالحزبيين الخارجين من عباءة أحزابهم وانضم إلينا شباب من حزب الله وحركة أمل يومها من دون أن يتعرض لهم أحد. وما يطالب به سامي اليوم يتشابه ومطالبنا». ذلك لا يعني الصفح عن أي مكوّن من «مكوّنات السلطة السياسية في السنوات العشر الأخيرة كما السنوات العشرين التي مرّت قبلها. الطبقة الحاكمة، نواباً ووزراء، مسؤولون عن هذا النظام الاقتصادي المالي المدمّر للمؤسسات وللمواطن، وأصل البلاء في ما وصلنا إليه. جميعهم متهمون حتى تثبت براءتهم من قبل محكمة خاصة بمحاسبة السياسيين المتوالين على السلطة منذ التسعينيات وصولاً إلى اليوم». على المقلب الكتائبي، كل ذلك شرعي ومطلوب. يقول مصدر مسؤول في الحزب إن «الثورة هي أكبر انتصار لطروحاتنا منذ 5 سنوات إلى اليوم والتي أعلنها سامي عند تسلّمه الحزب، إنْ بتغيير الطريقة الداخلية للأداء أو على المستوى الوطني بعد أن تحولت الطبقة السياسية إلى محاصصات». يميز المصدر بين خيارات الكتائب وباقي الأحزاب ليؤكد صوابية قرار الجميل بعدم الدخول في التسوية الرئاسية ثم اتفاق معراب الذي بني على تحالفات طائفية ومصالح.
يسعى الجميّل إلى بناء جبهة معارضة «قادرة على نسج علاقات مع الخارج»

منذ ذلك الوقت، «جرى اتهامنا بالشعبوية ودفعنا ثمن هذا المسار في الانتخابات». رغم ذلك، «كنا أول من اعترض على رياض سلامة وجمعية المصارف، أول من نزل إلى مطمر برج حمود واعترضنا على فرض ضرائب جديدة ومطالبنا تتكامل مع مطالب الانتفاضة بل نحن من تقدّمنا بمشاريع استعادة الأموال المنهوبة واستقلالية القضاء وعارضنا قانون الانتخاب الذي يسلم البلد إلى حزب الله وأيّدنا طرح الدولة المدنية». لا ينكر المصدر أن «الشارع» تقبّل وجود الكتائبيين بصعوبة في المرحلة الأولى، رغم ذلك استمر الحزب بدعم الانتفاضة من الخطوط الخلفية في ساحات جل الديب والزوق وجبيل والبترون ووسط بيروت. مع الوقت، «بتنا أكثر مقبولية وصار بيت الكتائب ملجأ للناشطين الهاربين من القوى الأمنية، إلى أن قررنا الاستقالة من البرلمان فباتت مقبوليتنا كاملة». الأمر نفسه ينطبق على الاجتماعات مع المجموعات. في البداية «كان التشنّج واضحاً بيننا، ثم انتقلنا إلى مرحلة نقاش وتفهّم، وزيارة سامي إلى طرابلس خير دليل على مدى قبولنا». يعمل حزب الكتائب اليوم على تشكيل جبهة معارضة واسعة تطرح خياراً جدياً ومنظماً وقادراً على تقديم طروحات سياسية واضحة، والأهم أن يكون قادراً على نسج علاقات دولية: «نتواصل مع أكثر من 80% من المجموعات بشكل مباشر. ذلك لا يحول دون وجود بعض المجموعات الهامشية والأفراد الرافضين للتعاون معنا». هي المرة الأولى التي يرتاح فيها حزب الكتائب لخياره السياسي والشعبي، لكن رغم «خسارتنا بالحجم السياسي التقليدي في البلد خلال الانتخابات ودفعنا ثمن هذه الخيارات، فإننا نعيش اليوم مرحلة نمو كبير وهو ما تثبته كل استطلاعات الرأي».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا