هكذا، صار الإقفال آخر المتاح، وآخر فرصة للسلطة. فهذه المرة، ثمة احتمالان فقط: إما يسهم هذا القرار في تخفيف أعداد الإصابات التي تسمح للقطاع الصحي بالتنفس، وإما سيكون فعلاً الثمن باهظاً، إن كان من ناحية زيادة وطأة الأزمة الاقتصادية - المالية - المعيشية أو من ناحية خسارة المواجهة أمام فيروس كورونا. وهما خياران تُسأل عنهما السلطة في ما بعد... وإن كانت القرارات التي اتخذتها الأخيرة في تلك الفترة لم تكن مبشّرة. ويمكن العودة هنا إلى قرارات الإقفال التي امتدت لستة أسابيع، وطالت مدناً وقرى بعينها. فرغم أهمية تلك الخطوة، إلا أنه يؤخذ على السلطة المعنية - وهي هنا وزارة الداخلية والبلديات ومن ثم البلديات - أنها لم تتابع ما بعد القرار، وبدا ذلك جلياً في عدم جدية تطبيق القرارات إن كان لناحية إقفال المحال التي تشهد اكتظاظاً أو حتى منع التجمعات والمناسبات. وقد يكون كافياً التدليل هنا على أن بلدة في الشمال مدّد إقفالها 4 أسابيع متلاحقة بسبب استمرار ارتفاع الإصابات فيها، ما يعني أن السلطة اكتفت بأن تكون كاتبة «فرمانات» من دون متابعتها على أرض الواقع. وهذا خطأ «محسوب»، خصوصاً في ظل تفلت الناس من الإجراءات الوقائية واستهتارهم واستهزائهم في أحيانٍ أخرى بفيروس كورونا. وهذا ما يعرفه المعنيون، وعلى رأسهم وزير الصحة حمد حسن الذي لم يملّ من تكرار هذا الأمر.
التحدّي الآخر يكمن في قدرة الدولة على رفع جاهزية القطاع الطبي. والسؤال هنا: هل سيكون في الإمكان تعزيز قدرات المستشفيات الحكومية في فترة أسبوعين، وهي التي عجزت في الأشهر التسعة السابقة عن ذلك؟ هل ستكون لديها السلطة لفرض «حكم الطوارئ» على المستشفيات الخاصة وإجبارها على رفع «عدد أسرة المواجهة»، على ما يقول النائب السابق الدكتور إسماعيل سكرية؟ وكيف ستتعامل مع الخطر الوافد من الخارج، خصوصاً في ظل بدء موجة ثانية من الفيروس؟ وكيف ستتعامل تالياً مع التجمعات والمناسبات وفتح المحال التجارية، خصوصاً في ظل النقمة على قرار الإقفال اليوم؟
إذا استمر عدّاد لوفيات على حاله فقد نسجّل قريباً 300 ضحية في الشهر
مدى تجاوب السلطة مع هذا الواقع يحدّد مسار الإقفال، فإما النجاة وإما السقوط. وهنا، الواقع أصعب، خصوصاً مع عدم توافر خيارات أخرى.
أما بالعودة إلى قرار الإقفال، فقد لفت دياب إلى أن المدة المحددة تبقى رهن بالتزام الناس، وإلا «فقد نضطر إلى التمديد». وفي الوقت الحالي، حدّد الإقفال التام بأسبوعين، على أن تستثنى منه القطاعات الحيوية، وعلى رأسها «المطاحن والأفران وكل ما له علاقة بتخزين وتصنيع المنتجات الغذائية والزراعية والمصارف والجيش وقوى الأمن ووزارة الصحة والمستشفيات والمستوصفات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد، وكل ما هو مرتبط بأوراق الاستشفاء وما يرتبط أيضاً بالصناعة والاستيراد والتصدير ونقل البضائع والمحاكم (...)». كما تضمّن القرار حظر التجوال من الساعة الخامسة مساءً حتى الخامسة فجراً. أما خلال النهار، فقد أعادت وزارة الداخلية والبلديات العمل بقرار «المفرد والمجوز» لسير المركبات الآلية، بحيث تكون على الشكل التالي «أيام الإثنين والأربعاء والجمعة للسيارات ذات الأرقام المفردة والثلاثاء والخميس والسبت للسيارات ذات الأرقام المجوزة، أما نهار الأحد، فيمنع التجول بشكلٍ تام».
إلى ذلك، مدّد المجلس الأعلى للدفاع التعبئة العامة في البلد حتى الواحد والثلاثين من كانون الأول المقبل.
وعلى وقع قرار الإقفال، يواصل عدّاد كورونا ارتفاعه، حيث سجل أمس 1552 إصابة، وصل معها العدد الإجمالي للإصابات إلى 43 ألفاً و270. أما عداد الوفيات، فقد سجل 17 ضحية، وهو من الأرقام الأخطر التي يسجلها، ليصل إجمالي الوفيات الى 749. مع ذلك، ليست تلك الأرقام التي تشي بسلبية مفرطة آخر المطاف، مع وصول حالات الاستشفاء إلى 845، من بينها 310 إصابات في العناية المركزة و138 موصولة إلى أجهزة التنفس.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا