العقوبات الأميركيّة المفروضة على رئيس التيّار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، منحت العونيين المنزعجين منه، فرصة لتنفّس الصعداء، على اعتبار أنّ هناك من يعمل على «قصقصة ريش» الرجل الأوّل في «التيّار»، والذي تحوّل بعد عام 2009 إلى «الوكيل» الحصري لميشال عون في الداخل والخارج. ومع ذلك، لا يبدو أنّ المنزعجين من ذوي القربى في وارد الانقلاب على ورقة التفاهم مع «حزب الله». الخطر الأكبر هو تفجّر الخلافات الداخلية في التيار إلى العلن عند أوّل استحقاق، وخصوصاً أنّ عونيّين سابقين ينوون إطلاق تيّار سياسي سيُعلن عنه الشهر المقبل. حتى الآن، يبدو أن باسيل يُطعن من بيت أبيه أيضاً.
كلّما اشتدّت العواصف السياسيّة، ازداد الشرخ داخل «التيّار الوطني الحر». هذا التباين تحت سقف «البيت الواحد» ليس بجديد. في العلن، يفضّل العونيون اعتباره «التنوّع الإيجابي للأداء» على قاعدة «التيّار واحد»، على ما قال النائب جبران باسيل منذ أيام. لكن في الكواليس، ثمّة من يرى غلياناً صامتاً قد يؤدي إلى انفجار عند أوّل استحقاق.
فعلياً، «التيّار» كان دائماً بيتاً بمنازل كثيرة. هذا ما بدا واضحاً في الخلاف الذي ظهر إلى العلن بشأن التحقيق الجنائي، بالإضافة إلى العديد من الخلافات الداخليّة التي أدّت إلى مقاطعة عدد من «العونيين» اجتماعات «تكتّل لبنان القوي».
لم يعد سراً أنّ خصوم باسيل داخل «التيّار»، قد يضاهون خصومه في الخارج عدداً. هؤلاء يكتمون غيظهم منذ سنوات ممّا يسمونه «تفرّد باسيل بالسّلطة وتحوّله إلى الحاكم بأمره».
هؤلاء يؤكّدون أنّهم لا يعرفون ماذا يفعل باسيل في الداخل والخارج. استمعوا إلى شرحه المُسهب الذي أدّى إلى وضعه على لائحة العقوبات، خلال مقابلته التلفزيونيّة، لكنّهم غير مقتنعين بهذا التفسير. يملكون قراءة مختلفة للأحداث. بالنّسبة إليهم، فإنّ «لعب باسيل على الحبال واستفزاز الأميركيين أدّيا إلى هذه النهاية المحتومة»، حسبما يقولون داخل الغرف المغلقة، غير آبهين بنظريّة دفع باسيل ثمن عدم خضوعه للولايات المتّحدة الأميركيّة التي طالبته بفكّ تحالفه مع «حزب الله».
بينما يشير هؤلاء إلى أنّ موضوع ترسيم الحدود، مروراً بإعطاء الأمل للشركات الصينيّة بشأن الكهرباء، وصولاً إلى توقيع عقد مع «روسنفت» الروسيّة لتطوير منشآت تخزين النفط في ميناء طرابلس، بالإضافة إلى رهانه الواضح على وصول الديموقراطيين إلى البيت الأبيض... وغيرها من الأمثلة التي كان يريد فيها باسيل «التشبيك» مع الجميع، هي «الأسباب الحقيقيّة لفرض العقوبات بحقّه»، وليس الضغط عليه أميركياً للابتعاد عن المقاومة.
هذا الكلام لا يقوله النواب في أحاديثهم الإعلاميّة، بل يؤكّدون أنّهم مع رئيسهم «الذي ظُلم من جراء العقوبات التي لن تُغيّر من موقفنا تجاه حزب الله، أو الضغط علينا في مسألة ترسيم الحدود»، وفق ما يقول أكثر من نائب في التكتل.

تضامن رمادي
وإذا كان اعتقاد البعض داخل «التيّار» أنّ أداء باسيل «تسبّب» بعقوبات بحقّه، فهم بالتالي لا يجدون أنفسهم مُجبرين على الوقوف في موقع المُتضامن معه، عكس ما يشهرون. هذا ما تجلّى عند غياب الكثير من النواب عن المشهد إثر صدور العقوبات.
يشير مُتابعون إلى أنّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون استدعى عدداً من نواب «التيّار» إلى القصر الجمهوري في الليلة نفسها من صدور العقوبات. كان عتب «فخامته» كبيراً على سيمون أبي رميا وآلان عون وإبراهيم كنعان، لعدم إصدارهم بياناً واحداً يستنكرون فيه التصعيد الأميركي تجاه رئيسهم.
«عونيّون سابقون» يعلنون عن حركة سياسيّة جديدة الشهر المقبل


ينفي هؤلاء حصول هذا اللقاء لا من قريب ولا بعيد، مشيرين إلى أنّ تضامنهم مع باسيل طبيعي وبديهي، فهو، بالإضافة إلى كونه ظُلِمَ، فإنّه رئيس تيارهم السياسي. ولكن من يُتابع حسابات النواب الثلاثة على «تويتر» يتأكّد من أنّ تضامنهم كان «فاتراً». ويبدو واضحاً أنّ محرّكات الماكينة «التويتريّة» عملت صباح اليوم التالي، ليغرّد أبي رميا وكنعان وعون. وهؤلاء لم يعلنوا تضامنهم مع باسيل، بخلاف ما فعل مثلاً أمل أبو زيد وغسّان عطا الله والياس أبو صعب وسيزار أبي خليل. لكنّهم بدلاً من ذلك، أدلوا بمواقف فضفاضة من دون الإتيان على سيرة العقوبات بشكلٍ مباشر.
إذاً، سكبت العقوبات الأميركيّة في الكأس الملآى أصلاً. لكن اليوم تغيّرت الحسابات، إذ إنّ البعض يُؤكّد أنّ إمكانيّة زيادة الضغط على «التيار الوطني الحر» ستدفع بالكثير من «العونيين» إلى الهرب بغية النفاد بجلدهم. يلفتون إلى أنّ الكثير من النواب العونيين وحتّى المقربين من باسيل يملكون مصالح في الخارج، وآخرين يحملون جنسيّات غربيّة، فمَن مِن هؤلاء سيكون بمقدوره الوقوف في وجه أميركا؟

العلاقة مع «حزب الله»... ضرورة
في المقابل، لا يرى مُتابعون أنّ لخصوم باسيل داخل «التيّار» أي خيارات. فهم أضعف من قلب الطاولة بوجود ميشال عون، وهم بالأصل كبّلوا أنفسهم بطموحاتهم. لكلّ منهم حساباته السياسيّة، إذ يتحدّث بعضهم بثقة عن أنّه سينافس باسيل على كرسي رئاسة الجمهوريّة. ولذلك، هم «يربّطون» مع الداخل والخارج لتعبيد الطريق نحو بعبدا.
وعليه، لا يرى هؤلاء أنّ قلب الطاولة داخل «التيّار» أو المطالبة بفك الارتباط مع «حزب الله» يصب في مصلحتهم، بل على العكس من ذلك. بعضهم يعتقد أنّ الإبقاء على التواصل مع «الحزب»، ولو عبر المؤسّسات الدستوريّة يعني رفع حظوظه الرئاسيّة، فيما يؤكّد بعضهم الآخر أنّهم أكثر من باسيل حرصاً وصدقاً في الحفاظ على التفاهم مع «حزب الله».
مع ذلك، لا يتوانى البعض عن التصفيق لفتح باسيل النقاش حول مراجعة ورقة التفاهم، داعين في المقابل إلى عدم ربطها بتوقيت العقوبات، على اعتبار أنّ السيّد حسن نصر الله أعلن في خطابه الأخير ضرورة مراجعة التفاهم.
وفي هذا الإطار، يشير آلان عون إلى أنّ «المراجعة ضرورية لنعرف أين نجحت وأين أخفقت، لكن المهم أن تتحدّد آلية المراجعة»، مشدداً على «أهميّة إبقاء التواصل المستمر مع حزب الله». بالنّسبة إلى عون، فإنّ «اتفاق مار مخايل» نجح في إيصال «التيّار» إلى السّلطة، لكنه لم يُفلح في إنجاح مشروع الحكم ليكون على قدر الطموحات.

«المنشقّون» إلى حركة جديدة
يبدو جلياً أن العقوبات الأميركيّة لن تؤدي إلى فكّ «التيار» ارتباطه مع «حزب الله». فـ«هذا الأمر ليس مطروحاً داخل الغرف المغلقة»، بحسب «العونيين». جلّ ما في الأمر، أنّ نتيجتها ستكون «فرار» من يخشون الغضب الأميركي.
بموازاة ذلك، اقترب موعد إعلان الحركة السياسيّة التي يعمل عليها «عونيون سابقون» منذ سنوات. هذه الحركة التي قد يُعلن عنها الشهر المقبل، ستضمّ حكماً: نعيم عون، أنطوان نصر الله وزياد عبس، بالإضافة إلى انضمام «المنشق الجديد» أنطوان حداد. سيخرج هؤلاء من «صومعتهم» للانقضاض على باسيل ورموز التيار، غير آبهين باستخدام الضربات تحت الحزام.
يرى هؤلاء أنّ باسيل اليوم هو في أضعف مرحلة. وبالتالي يريدون الإسراع في تشكيل حركتهم السياسيّة قبل البدء بتحضير الانتخابات النيابيّة. يرفضون ربط الموعد بالعقوبات الأميركيّة، بل يشدّدون على أنّهم اتفقوا في الخلوة التي عقدت أخيراً، على تأخير إعلان الحركة كي لا يتمّ فهمها على أنّها مرتبطة بالعقوبات.
هؤلاء على يقين أنّهم سيغرفون من صحن باسيل في الانتخابات النيابيّة. وبالتالي، أي حركة جديدة تتشكّل من رحم «التيّار» ستجذب اليائسين والمنكفئين وحتّى المنزعجين من باسيل داخل صفوف «العونيين»... وربما الهاربين من العقوبات.



«زَجَل» تضامني
لم يُغرّد النواب: آلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا في اليوم نفسه لصدور العقوبات بحق رئيس «التيّار الوطني الحر» جبران باسيل، بل انتظروا حتى صباح اليوم التالي من دون إعلان تضامن واضح وصريح مع رئيسهم، بل كانت تغريداتهم أشبه بمواضيع عامة لم تأتِ على ذكر العقوبات أو التضامن إلا من خلال ذكر وسم «العقوبات الأميركية» وباسيل في ختام التغريدة:
- غرّد النائب آلان عون في اليوم التالي على صدور العقوبات: «ليس الاستحقاق الأول الصعب الذي يمرّ به التيار، ولن يكون الأخير... الأهمّ هو قدرتنا على الاستمرار وإيجاد الأجوبة لإشكالية وطنية وسياسية حول كيفية حماية وحدتنا الداخلية من تداعيات الصراعات الدولية والإقليمية»، وأرفق التغريدة بصورة لمتظاهرين عونيين يرفعون صورة لميشال عون مرتدياً بزّته العسكرية.
- غرّد النائب سيمون أبي رميا: «ضغوطات الخارج وحسابات الداخل لن تثنينا عن التشبّث بقيمنا وثوابتنا من أجل سيادة الوطن ونزاهة المجتمع وحماية الاستقرار. قرار الإدارة الأميركية أمس هو حافز للتضامن الداخلي والمسؤولية الوطنية. ويبقى أولاد التيار حاملي أمانة الإصلاح مهما كُتب وقيل. ماضينا ومستقبلنا كرامة وطن وشعب».
- غرّد النائب إبراهيم كنعان: «بين سهام الشتّامين والشامتين وبخّور المتلوّنين والمزايدين وحدها الحقيقة تحرّرنا وسوف تحرّرنا».
فيما كان لزياد أسود أكثر من تغريدة في هذا الشأن من دون أن تحمل التضامن المباشر مع باسيل وإن كان أكثر وضوحاً من زملائه، إذ قال في إحداها: «إذا العقوبات سياسيّة كرمال المقاومة بعد في أسماء كتير داعمينها أو بيشتغلوا دوبل، وإذا همّن فساد مالي في كتير أسماء مع الثروات طارقين الشعب، وإذا أميركا بيهمّها الإصلاح ما بتترك 8 قارطين البلد وبتدعمهم على العمياني إلا مطوعينهم وشالحين تيابهم وبيشتغلوا بجلي الصحون عندهم».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا