أصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مذكرة تحمل الرقم ٣٩٢ بتاريخ ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٠، أعطى فيها صلاحيات أوسع لقوى الأمن الداخلي لتوقيف الأشخاص إدارياً بمجرد الشك والريبة لمدة ٢٤ ساعة، من دون الرجوع إلى القضاء، حتى لو لم يرتكبوا جرائم جزائية! هذه المذكرة أثارت حفيظة القضاة والمحامين، ولا سيما أنّها جاءت في وقت حسّاس متزامن مع الكباش الدائر بين الأمن والقضاء. هكذا بات بإمكان عثمان تفعيل الدور البوليسي لقوى الأمن الداخلي، بشكل يُبيح له وضع من يشاء قيد التوقيف من دون إذنٍ قضائي. وفي أول تعليق على هذه المذكرة من الدائرة القانونية لمجموعة «الشعب يُريد إصلاح النظام»، وصفتها بـ«المذكرة الميليشيوية»، واعتبرتها «مخالفة لقانون أصول المحاكمات الجزائية ولا سيما المواد ٢٩ وما يليها منه»، مشيرة إلى أنّها «تشكّل انتهاكاً صارخاً للحريات وحقوق الإنسان وتجاوزاً فاضحاً لحد السلطة ومخالفة لمبدأ الشرعية». كما رأت أنّها تشكّل «جريمة حجز الحرية والاعتقال التعسفي بمفهوم أحكام قانون العقوبات اللبناني والمعاهدات الدولية». واحتفظت المجموعة بحقها في ملاحقة عثمان أمام المراجع المحلية والدولية!
(هيثم الموسوي)

استند عثمان في مذكرته إلى القانون الرقم ١٧ الصادر عام 1990 المتعلق بتنظيم قوى الأمن الداخلي، ليمنح حق التوقيف إلى «كل قطعة من قطعات قوى الأمن الداخلي تشتبه أمنياً، في معرض قيامها بمهامها، بأحد الأشخاص أو بتصرفاته المريبة، من دون أن يكون هذا التصرف يشكّل بحدّ ذاته جرماً جزائياً» (تصوير مركز عسكري أو أمني أو مؤسسة رسمية حسّاسة أو مصالح أجنبية أو موكب لشخصية مهمة مهددة، ترك حقيبة مشبوهة في مكان عام أو خاص أو قرب مركب عسكري أو أمني أو مصالح أجنبية أو محل إقامة شخصية عامة مهددة، إيقاف آلية بشكل مشبوه في مكان قريب من مركز عسكري أو أمني أو مصالح أجنبية أو مكان إقامة شخصية سياسية أو أمنية، عدم حيازة أي مستند رسمي يُثبت هويته). أوجب المدير العام على هذه القطعة أن تقوم بتسليمه فوراً إلى الفصيلة الإقليمية المعنية أو مكتب المعلومات المعني. وقد أناط عثمان في المذكرة بآمري الفصائل الإقليمية أو رؤساء مكاتب المعلومات المعنية حصراً الأمر بتوقيف الأشخاص إدارياً، على أن تُفاد غرفة عمليات المديرية العامة فوراً، بموجب برقية تسلسلية عن هذا الإجراء، يُحدد فيها الأسباب التي دعت إلى التوقيف الإداري، والنتائج التي تمّ التوصّل إليها في هذا الشأن. كما أشار إلى أنّ الرؤساء التسلسليين يتولّون مراقبة مدى ملاءمة قرار التوقيف. وتضمنت المذكرة تعميماً يفيد بأنّه في حال العثور على أحد الأشخاص في حالة السكر الظاهر، أو أمراض عقلية أو ما يشابهها، يجب تسليمه حصراً إلى الفصيلة الإقليمية المعنية بالصورة الفورية.
من الذي منح عثمان حق توسيع أسباب التوقيف لتصبح «على ذوق» عنصر الأمن؟


وبحسب مصادر قوى الأمن، فقد استند عثمان إلى المادة ٢١٧ من القانون الرقم ١٧، التي تفيد بأنه يمكن لرجال قوى الأمن اللجوء إلى «التوقيف الوقائي ذي الطابع الإداري عندما يشكّل ترك الشخص طليقاً خطراً على نفسه أو على الغير، كمن كان في حالة السكر الظاهر أو ما شابه أو في سبيل التثبت من وضع الشخص المشتبه فيه أو المشكوك في صحة هويته، وهذا التوقيف لا يجوز أن يستمر أكثر من ٢٤ ساعة، وإلا يتحوّل إلى توقيف تعسّفي».
وما دام مضمون هذه المذكرة منصوصاً عليه في القانون، فما الذي يُريده عثمان من إعادة تعميمه بموجب مذكرة؟ تقول المصادر إنّه يُريد تأكيد تطبيقها! لكن مهلاً، أين يُريد عثمان توقيف الموقوفين؟ ألا يعلم أنّ النظارات تغصّ بالموقوفين، وخاصة في زمن كورونا؟ وفي الأصل، إن موجب التوقيف الوارد في القانون الرقم 17 هو موجب ضيّق للغاية، فمن الذي منح عثمان حق توسيع أسباب التوقيف لتصبح «على ذوق» عنصر الأمن الذي يصعب ضبطه أصلاً، من دون مذكرة؟ وكيف ستصبح أحوال سكان لبنان معه بعد تلقّيه «دعمة» من مديره العام؟

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا