المداخل إلى مخيم صبرا للاجئين الفلسطينيين كثيرة، وكلها تنتهي بدهاليز معتمة وأزقة ضيّقة تحوّلت، بفعل الشتوة الأولى، بركاً للمياه الآسنة. في بقعة جغرافية من المخيم، خلف المدينة الرياضية، يسكنها آلاف النازحين السوريين الذين صبّوا بؤسهم فوق بؤس سكانها الفلسطينيين واللبنانيين، لا وجود لأي مدرسة تستقطب أطفال هؤلاء. وحده المركز التربوي التابع لـ«جمعية التحدي»، والواقع في زقاق خلف «المدينة»، يحاول جاهداً تقديم التعليم إلى أطفال لم يتعرّفوا إلى مقاعد الدراسة سابقاً، رغم تجاوز بعضهم الثانية عشرة.يستقطب المركز الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الطلاب السوريين أساساً، وبعض اللبنانيين. تفاقم الأزمة الاقتصادية أدّى، هذا العام، إلى زيادة كبيرة في الإقبال على مركز الجمعية بما يفوق قدرته الاستيعابية. وبسبب جائحة «كورونا»، اضطر القيّمون عليه، من أجل خفض عدد الطلاب في الصفوف حفاظاً على التباعد الاجتماعي، إلى اعتماد «التعليم المنزلي»، هذا إن صحّ أن يُطلق على تلك الأماكن التي يتجمعون للدراسة فيها اسم «منازل».
بسبب كثافة الطلبات التي فاقت التوقعات، قرّرت الجمعية تأهيل معلمات سوريات وتدريبهن على إعطاء برنامج تربوي في بيوتهن لأطفال تراوح أعمارهم بين 10 و12 عاماً، ممن تسرّبوا مدرسياً، أو لم يدخلوا المدرسة أساساً. البرنامج يهدف إلى محو الأمية لدى الأطفال الذين «نزح أهلهم مع اندلاع الأزمة السورية وكانوا لا يزالون رضّعاً. وبدلاً من أن يقضوا أوقاتهم في الشوارع أو العمل، كان هذا البرنامج أقل المتاح لحمايتهم وتعليمهم القراءة على الأقل»، بحسب رئيسة الجمعية ناديا الخوري. تلفت الخوري الى أن هناك 64 طفلاً يتعلمون بهذه الطريقة، فيما هناك أكثر من 100 على لائحة الانتظار، معظمهم من السوريين ومعهم لبنانيون، كلهم لم يعرفوا المدرسة سابقاً، ويتلقون تعليمهم للمرة الأولى في بيوت أربع معلمات غير مجازات، تلقّت كل منهن تدريباً على البرنامج، وتتولى كل منهن تعليم 16 طفلاً في دوامين، بين الثامنة والنصف والعاشرة والنصف صباحاً، وبين الحادية عشرة والواحدة بعد الظهر، يتلقى خلالهما التلاميذ دروساً في الأبجدية وبعض مقدمات الرياضيات في الجمع والطرح.
خاتون، إحدى المعلمات، من ريف حلب، تحمل شهادة الثانوية العامة. تقدمت إلى البرنامج لتعيل عائلتها، وفتحت منزلها قرب مركز الجمعية لتعليم هؤلاء الأطفال، تتلقى راتباً من الجمعية بالكاد يكفيها لتسديد إيجار المنزل وتأمين الحاجيات الأساسية. أفرغت «السطيحة» المكشوفة الجوانب والمسقوفة بألواح من التنك، وجهّزتها بـ«حصيرة» يجلس عليها الأطفال، وأمام كل منهم طاولة أمّنتها الجمعية مع لوح وكتب. «الأولاد ما بيعرفوا كمشة القلم، على الأقل رح نوصل معهم ليبلشوا يقروا جملة كاملة»، تقول خاتون مخفّفة من وطأة انعدام التدفئة وارتداء الأطفال ثياباً خفيفة. «ماشي حالن لهلأ، لما تشتي في عندي غرفة داخل البيت بفوتهن عليها»، لافتة إلى أن منزلها يبقى أفضل حالاً من منازل رفيقاتها اللواتي تسلّمن باقي الأطفال.
لم تستجب «التربية» لمراسلات متعددة من بلدية الغبيري لتأهيل مكان ملائم للدراسة


يجلس «التلاميذ» متباعدين وقد وضع كل منهم كمامة. في الصف الصباحي، يجلس يامن (10 سنوات) من دير الزور التي لا يعرف عنها شيئاً سوى ما يسمعه من أهله، منتبهاً إلى شرح المعلمة، ورافعاً أصبعه للإجابة عند كل سؤال. يقول إنه «سعيد لأنني أتعلم وأرسم وألوّن بدل القعدة بالشارع». «السعادة» نفسها تغمر ناديا (12 سنة) لأن «حلمي أن أكتب اسمي وأقرأ اللافتات».
رئيس بلدية الغبيري معن الخليل أكد أن بعض هؤلاء التلاميذ «لبنانيون أباً عن جد». ووضع الأمر في عهدة وزارة التربية، في دولة أقرّت إلزامية التعليم، «علّها تستجيب للكتب العديدة التي أرسلتها البلدية منذ عهد الوزير أكرم شهيب، وآخرها في آب الماضي إلى الوزير طارق المجذوب للموافقة على ترميم مبنى مدرسة قديمة من ثلاث طبقات قريب من المركز، يقع عقارياً ضمن نطاق البلدية، بإشراف الوزارة والجمعيات المانحة، ليتسنى للطلاب التعلم في ظروف إنسانية في منطقة تفتقر الى أيّ مدرسة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا