قبل أربعة أيامٍ، أوقف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي السلفات المالية لمستشفى فؤاد خوري على حساب معاملات الاستشفاء. في البيان الصادر عن الإدارة، يسرد المدير العام، محمد كركي، «حيثيات» القرار، مشيراً إلى أن المستشفى «لم يتقيّد بالتعرفات الموضوعة من قبل إدارة الصندوق»، خصوصاً في ما يتعلّق بالأعمال الطبية والإقامة وغرفة العناية، إضافة إلى تحميل المضمونين مبالغ طائلة تتجاوز أحياناً القيمة الإجمالية للفاتورة الاستشفائية، والامتناع تالياً عن إعطاء المريض كشفاً بالحساب. ولفت إلى أن القرار اتُخذ بناءً على «تقرير المراقبة الإدارية على المستشفيات التي كشفت المخالفات المرتكبة من جانب المستشفى واقتراح مدير ضمان المرض والأمومة».بهذا القرار، أدى الضمان الاجتماعي واجبه. لكنه كان فعلاً متأخراً وناقصاً. السبب الأول يكمن في أن هذا القرار كان يجب أن يصدر قبل ذلك بكثير. وللدقة، كان يجب أن يرافق الأزمة الاقتصادية المالية منذ بدايتها، بعدما استغلتها المستشفيات لتدفيع المرضى المضمونين، وهم في معظمهم من الفقراء، فواتير استشفاء تفوق الخدمات التي تقدمها. والسبب الآخر أن «مستشفى فؤاد خوري» ليس وحده من يحمّل هذا الوزر للمرضى، وفي «تشليحهم» أموالاً من دون مقابل، وفي الإمعان في مخالفة القانون، ولا سيما المادة 64 التي تنص على إلزام المستشفيات بتسليم المضمون كشف حساب عند مغادرته. لذلك، المستشفيات التي يمكن تطبيق «حيثيات» قرار «مستشفى خوري» بحقها كثيرة، لناحية استغلالها الأزمة الحالية، وعلى رأسها مستشفيات «الخمس نجوم».
أخيراً، كثُرت الشكاوى الواردة إلى الضمان الاجتماعي بعدما خصّصت لها الإدارة صندوقاً. ويوضح أحد المطلعين على ملف الشكاوى أن أكثر ما يرد إلى الضمان «هو شكاوى المرضى من الفروقات الضخمة التي يدفعونها، والتي تكاد توازي كلفة الفاتورة الإجمالية للاستشفاء». والأمثلة كثيرة، منها ما أشار اليه مرضى عن دفعهم فروقات الضمان للإقامة لمدة 3 أيام في المستشفى بكلفة راوحت بين 800 ألف ليرة ومليون و800 ألف! إحدى المريضات، مثلاً، قالت إنها دفعت فرق الضمان، مقابل إجراء «خزعة»، مليوناً و200 ألف ليرة، إضافة الى «فرق فحوصات بكلفة 800 ألف ليرة». وعندما سألت عن سبب هذه الفروقات، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي تدخل فيها المستشفى، أجابتها إدارة المستشفى بأن «عدداً من الفحوصات لا يغطيها الضمان الاجتماعي».
في المبدأ، تبلغ كلفة إجراء أي «خزعة» بين 30 دولاراً و200 دولار، بحسب نقيب المستشفيات سليمان هارون. أي إنها تراوح بين 240 ألف ليرة ومليون و600 ألف على أساس سعر صرف السوق السوداء. وهذه الكلفة «صافية»، وليست «فروقات» جهة ضامنة. الى ذلك، يكذب بعض المستشفيات بزعمه أن «بعض الفحوصات المرافقة والمستلزمات لا يغطيها الضمان»، وهو ما أشار إليه هارون لناحية أن «هناك فحوصاً مخبرية جديدة لا يغطيها الضمان، إضافة إلى الأزمة التي نعاني منها في ما يخص شراء المستلزمات والمعدات الطبية». وإذا كان المرضى والصناديق الضامنة سلّموا جدلاً بأن كلفة الكثير من المستلزمات الطبية ترفع جزءاً من الفاتورة لكونها جميعها مستوردة وتخضع لسعر صرف الدولار، إلا أن ذلك لا يعني أن تتخذ تلك الحجة «شمّاعة» لحشو فاتورة فروقات الضمان بمبالغ يقول عنها الصندوق نفسه إنها «طائلة». أما ما يضع فرضية التلاعب بالفواتير المحصلة من الضمان في رأس القائمة فهو امتناع عدد من المستشفيات عن تزويد المرضى بكشف حساب لدى مغادرتهم المستشفى، وهو ما لفتت إليه إدارة الضمان مراراً.
تمتنع المستشفيات عن تزويد المرضى بكشوفات الحساب في مخالفة صريحة للقانون

وفي هذا الإطار، يشير مصدر في الصندوق إلى أن الوضع «فلتان متل هالبلد»، لافتاً إلى أن «الشكاوى كثيرة». ولئن كان «يجري حل بعض الشكاوى بعد الاطلاع على المستندات»، إلا أن هذه الحلول الموضعية لا تجدي في ظل إمعان المستشفيات في ارتكاب الأخطاء، وهو «ما يتطلب حلاً جذرياً ليست الصناديق الضامنة ولا وزارة الصحة مسؤولة عنه، بل الحكومة». وهذا ما يؤكده أيضاً رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي، انطلاقاً من أن «الفوضى العارمة هي التي توصل إلى سلخ جلود المرضى، إن كانوا مرضى عاديين أو حتى مرضى كورونا، إذ إن غالبية المستشفيات لا تلتزم بالأسعار». وإذ يحمّل عراجي المستشفيات الجزء الأكبر من المسؤولية، إلا أنه لا يعفي الصندوق أيضاً من المسؤولية «لناحية التشدد في المراقبة والتدقيق... حتى في تقارير أطباء الضمان في المستشفيات»، فيما يدعو هارون المرضى «إن كانت لديهم شكاوى، إلى أن يقصدوا مراقبي الضمان في المستشفى. والمستشفى الذي يثبت ارتكابه مخالفات سيؤخذ الإجراء المناسب في حقه»، خصوصاً أن «الضمان الاجتماعي يقوم بواجباته تجاه المستشفيات على أكمل وجه من خلال السلف المالية التي يعطيها إياها، وتتجاوز الـ 700 مليار ليرة سنوياً»، بحسب كركي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا