مبدئياً، يزور الرئيس المكلّف سعد الحريري بعبدا غداً في استئناف لمشاورات التأليف. عملياً، لا يُتوقّع الكثير من الزيارة لوجود «اقتناع» و«معطيات» لدى مصادر مطّلعة في التيار الوطني الحر بأن الرجل ليس في وارد التأليف بعد لأسباب خارجية وداخلية، وخصوصاً أنه يملك «ترف» الانتظار الذي يأكل من رصيد العهد لا من رصيده.خارجياً، الضغط الأميركي ــــ السعودي لا يزال مستمراً لعدم تأليف حكومة يتمثّل فيها حزب الله ولمواصلة فرض الحصار على ميشال عون. ليس تفصيلاً، هنا، دعوة سمير جعجع رئيس الجمهورية إلى الاستقالة، في تعبير عن عودة «الماكينة الإقليمية» التي يرتبط بها الأخير ارتباطاً وثيقاً الى نغمة استقالة الرئيس والانتخابات النيابية المبكرة. وعليه، يفضّل الرئيس المكلّف انتظار تسلّم إدارة جو بايدن مقاليد واشنطن، ولحظة وضع لبنان على طاولة التفاوض الأميركي ــــ الإيراني، بما يعطّل قدرة الرياض على التعطيل.
أما داخلياً، فيدرك الحريري أن عليه، إذا ما ألّف الحكومة سريعاً، مواجهة قرارات مصيرية من نوع رفع الدعم عن السلع الأساسية. لذلك، الأفضل أن تتنكّب حكومة تصريف الأعمال، قبل رحيلها، هذه المهمة «غير الشعبية»، إلى جانب التأكد من الانتهاء تماماً من دفن التدقيق الجنائي، مع إدراك الحريري التام أن الأمرين، أي رفع الدعم والتدقيق، مطلوبان فرنسياً، وبقوة.
في غضون ذلك، مصادر بكركي أكدت لـ«الأخبار» أن البطريرك بشارة الراعي مستمر في مساعيه التي يأمل أن تثمر «شيئاً ما» هذا الأسبوع، علماً بأن البطريرك «حسم» موقفه الى جانب حكومة «يتمّ تشكيلها وفقاً لمنطوق الدستور، بروح التشاور وصفاء النيّات بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهوريّة في إطار الاتفاق والشراكة» على ما جاء في عظته أمس. وهو وإن شدّد على تأليف «حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا ثلث معطّلًا»، ما رأت فيه مصادر الرئيس المكلف «رفعاً للغطاء عن مطالب رئاسة الجمهورية»، إلا أنه كان واضحاً بعد زيارته قصر بعبدا، الأسبوع الماضي، أنه لم يلمس من عون أنه يريد هذا الثلث، كما كان واضحاً عندما أبلغ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي زار بكركي في اليوم نفسه، أنه ضد التنازل عن «حقوق المسيحيين».
دعوة جعجع عون الى الاستقالة استعادة لنغمة الانتخابات المبكرة


«جوهر المشكلة»، كما ورد في مطالعة باسيل أمام الراعي، أن ما يجري اليوم هو محاولة لإطاحة «المكتسبات» التي أعادت التوازن الى اتفاق الطائف ولو من خارج النص، مع إقرار حصة وزارية لرئيس الجمهورية ميشال سليمان في حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014. كما أنه، في الوقت نفسه، محاولة لضرب روح الشراكة كما أقرّها الطائف نفسه. إذ إن شراكة رئيس الجمهورية في التأليف لم ترد في المادة 64 من الدستور ضمن صلاحيات رئيس الوزراء، وإنما في المادة 53 التي تنصّ على أن رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة»، بعد استشارات نيابية ملزمة، بعدما كانت تنصّ سابقاً على أن «رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمي منهم رئيساً». بعد الطائف، أعطي رئيس الحكومة حق التأليف على أن يوافق رئيس الجمهورية على الحكومة. وهذه الصلاحية أوردها المشترع ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا ينبغي أن توضع في إطار «التفسير السلبي» للدستور، بمعنى أن رئيس الوزراء يسمّي الحكومة وحيداً، وإذا رفضها رئيس الجمهورية ــــ وهذا حقه ــــ يكون عندها معطلاً للتشكيل. بمعنى أوضح، تقول مصادر في التيار الوطني الحر، «للحكومة طابخان يتفقان على مكوّنات الطبخة، لا طابخ يعدّها والآخر له حق أن يرفض تناولها. لا أحد يناقش حق الرئيس المكلف في التأليف. ولا ينبغي في المقابل أن يناقش أحد حق رئيس الجمهورية في مناقشة التشكيلة».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا