بعد مرور أكثر من سنة على بدء الانهيار، قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الانتقال من لعبة ”لا داعي للهلع“، و”الليرة بخير“، إلى لعبة ”ما خصّني“، أي أنه تحوّل من إنكار الانهيار علناً إلى الإقرار بحصوله من دون الإقرار بحصّته الواسعة من المسؤولية. سلامة عبّر عن هذا الأمر بطريقة واضحة المعالم، فأشار إلى نهاية عصر تثبيت الليرة الذي كان أحد أبرز رواده. وبعدما أدى حديث سلامة إلى بلبلة واسعة في لبنان، أوضح أنه يربط تحرير سعر صرف الليرة بقرار من الحكومة، وباتفاق مع صندوق النقد الدولي.يأتي كلام سلامة، لقناة «فرانس 24» على أبواب أزمة مفتوحة تتعلق بالودائع الاحتياطية لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والتي تستعمل لتمويل دعم استيراد السلع الأساسية (محروقات، قمح، دواء، مستلزمات طبية، سلع غذائية). فالنقاش المفتوح حول كيفية استعمال هذه الأموال، دفع سلامة إلى الإقرار بحصول الانهيار لتبرير موقفه بوقف الدعم. سلامة يمهّد لعملية وقف الدعم بهذه الطريقة، عبر القول إن هناك أسعار صرف مختلفة، بل بدا كأنه متفاجئ بهذا الأمر، رغم أنه هو من خلق هذه الأسعار ويستعملها لتعزيز ميزانيات المصارف وإطفاء الخسائر العالقة بينه وبين المصارف مقابل طباعة كميات هائلة من الليرة اللبنانية.
إذاً، قرّر سلامة منفرداً أن سعر الصرف الثابت انتهى وأن السعر سيكون معوّماً في الفترة المقبلة. هذا يعني أن الديون المترتبة على زبائن المصارف بالدولار، ستدفع وفق سعر الصرف الجديد المعوّم، وهذا يعني أيضاً أن مصرف لبنان سيوقف تدخلاته في السوق والتي اقتصرت في السنة الماضية ولغاية اليوم على دعم محدّد للاستيراد بدلاً من دعم كل الاستيراد كما كان يحصل في العقود الثلاثة الماضية.
قال سلامة إن وجود 3 أسعار للصرف يشكّل ضرراً على الاقتصاد، لكن من سيسائله عن مسؤوليته عن خلق هذه الأسعار؟


وبدا سلامة، في عزّ الحديث عن امتناع الأطراف السياسية عن متابعة مسألة التدقيق الجنائي، بمعزل عن مدى أهميتها وجدواها، كأنه معصوم من كل الذنوب التي ارتكبت في العقود الأخيرة خلال فترة تثبيت سعر الصرف. في هذا الفترة، موّل مصرف لبنان عمليات الاستيراد وديون الحكومة والتحويلات إلى الخارج أيضاً… كل ذلك تمّ بعلمه وفي سياق سياساته النقدية التي أدّت إلى تبخّر الدولارات، إلا أنه لم يكتف بذلك، بل عمد إلى استقطاب المزيد من الدولارات من المصارف عبر الهندسات المالية، ما أدّى إلى مفاقمة الخسائر وتبديد المزيد من مليارات الدولارات.
رغم ذلك، لدى سلامة الجرأة، إن لم تكن وقاحة أيضاً، في القول إن عصر تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي انتهى، وإن الاتجاه اليوم هو نحو سعر صرف معوّم يحدّده السوق. لا بل قال إن وجود 3 أسعار للصرف يشكّل ضرراً على الاقتصاد، لكن من سيسائل سلامة عن مسؤوليته في خلق هذه الأسعار؟
ومن سيسائل سلامة أيضاً عن نفيه تأسيس ”مخطّط بونزي“ أو ما يسمى ”مخطط احتيال“؟ هذا المخطّط يشبه كل المخططات التي تتم في هذا المجال، أي أن تستقطب جهة ما ودائع من الناس مقابل فوائد ”غريبة“ ومرتفعة، وتستعملها للإنفاق. الفرق بين ما فعله سلامة وما يفعله الأفراد المحتالون، أنهم يقومون بالأمر للانتفاع الشخصي المباشر، بينما هو كان يقوم به لانتفاع القلّة وبشكل مؤسساتي. لا بل لديه الجرأة للقول بأنه كان يدعم الاقتصاد اللبناني الذي كان على حافة الانهيار؟ من طلب منه ذلك؟ ألم تكن هذه سياساته النقدية عندما أتى به الرئيس الراحل رفيق الحريري؟
سلامة اعترف أيضاً بأن بعض الأثرياء اللبنانيين تمكنوا من سحب مبالغ كبيرة وإرسالها إلى الخارج، بينما لا يستطيع المواطنون سحب سوى مبالغ محدودة. لكن أليس هو مسؤولاً عن النظام المصرفي بموجب قانون النقد والتسليف؟ لماذا ترك المصارف تفرض قيوداً غير شرعية على المودعين؟