نهاية شباط 2016، أوقف خفر السواحل اليوناني سفينة تحمل علم توغو، وعثر على متنها على ست حاويات ضمّت اثنتان منها 6400 بندقية و«كميات كبيرة من المتفجرات ومواد أخرى مشابهة»، بحسب بيان للشرطة اليونانية. شغلت السفينة التي تدعى «ترايدر» اللبنانيين يومها، بعدما تردد أن وجهتها كانت لبنان، في عز الحرب السورية، وبدا كأنها مشابهة لسفينة «لطف الله» التي أوقفها الجيش سابقاً في مرفأ طرابلس محمّلة بالأسلحة. آنذاك، جهد إعلام 14 آذار في نفي ما تردد عن أن وجهة السفينة كانت لبنان. كان ذلك قبل أربع سنوات من انفجار مرفأ بيروت بحمولة من نيترات الأمونيوم، أنزلتها سفينة تدعى «روسوس» قبل سبع سنوات، قبل أن تنفجر في الرابع من آب الماضي.ملف «ترايدر» كان موضوع تحقيق من قبل قاضي التحقيق الأول في لبنان الشمالي سمرندا نصار التي أصدرت، أمس، قراراً ظنياً بحق كل من محمد أ. وكمال ك. وخالد ي. وطلال د.، وجميعهم لبنانيون، لتورطهم في ملف السفينة التي أوقفتها السلطات اليونانية بتاريخ 27/2/2016، وكانت تحمل 10 آلاف كلغ من نيترات الأمونيوم و6400 بندقية صيد و151 صندوقاً من متفجر «يافيكس»، وهو متفجر مؤلف من مزيج من النيترات والفيول، و5 آلاف قطعة من الأسلاك المتفجرة و5 آلاف قطعة من فتائل التفجير.
ضبطت السلطات اليونانية السفينة غربي جزيرة كريت، قادمة من ميناء مرسين في تركيا، وكان خط سيرها المفترض: لبنان - كاميرون - توغو - نيجيريا ثم غانا. ولدى تفتيشها، كما جاء في الوقائع المعروضة في القرار الظني، تبيّن أنها تحمل «بضائع خطرة»، فتمّ توجيهها الى ميناء سودا اليوناني للتفتيش، وصودرت الحاويتان اللتان تحتويان على «أسلحة الصيد ونيترات الأمونيوم». على الأثر، خابرت السلطات اليونانية السلطات اللبنانية بواسطة وزارة الخارجية اللبنانية، وفتحت مخابرات الجيش تحقيقاً، ليحال الملف بعدها الى شعبة المعلومات ومنها الى النيابة العامة الاستئنافية في لبنان الشمالي، وصولا الى قاضي التحقيق الأول. وتم استدعاء المدعى عليهم الأربعة بجرائم التزوير والاحتيال. وبعد انطلاق التحقيقات، تبين ما يلي:
«اشترى الباخرة ترايدر المدعى عليه كمال ك. بالشراكة مع المدعى عليه طلال د. بداية عام 2015. وبعد خلافات بينهما، اشترى المدعى عليه محمد أ. حصة طلال د.، علماً بأن الأول يملك شركة «Dominica navigation Co Marshall islands». وبعد صيانتها، قام محمد أ. بتأجير السفينة الى شركة مسجلة في المملكة المتحدة باسم Essential services worldwide يملكها الأشخاص العاملون في تركيا، كان قد عرفه عليه جورج ج. الذي يعمل في مرفأ بيروت كخبير بحري ومفتش سفن وقبطان سابق. دفعت الشركة التركية الأموال الواجبة عليها في حساب يعود لشركة تعنى بالأزياء في دبي Dar Sara high fashion LLC لحساب صديقة شقيق المدعى عليه محمد أ. وبعد التعمق في القضية، تبين أن السفينة حمّلت من شركة Yvascalar التركية، وهي شركة تصنّع المتفجرات ونيترات الأمونيوم، وكانت وجهتها الكونغو بحسب المانيفست. كما حمّلت 570000 خرطوشة صيد وجهتها الكاميرون. وقد عرجت الباخرة الى مرفأ مرسين لتحميل مستوعب أسلحة صيد مستورد باسم «شركة ياسين»، من دون علم الشركة، وخزان مياه فارغ وجهته نيجيريا. هكذا جاء في المانيفست. لكن مالك السفينة اللبناني تعاقد مع قبطان سوري الجنسية يدعى علاء آني لهذه الرحلة التي توقفت في قبرص بحجة رداءة الطقس. عند كشف السلطات القبرصية عليها، أبلغت السلطات اليونانية بمحتواها، فتمّ اقتيادها الى ميناء سودا العسكري. دخل المحامي اللبناني أحمد ش. على الخط عند ضبط البضاعة وتواصل مع المدعى عليه خالد ي. وجمعه مع المدعى عليه محمد ا. والمحامي ت. م. وكيل المدعى عليه طلال ك.، علما بأنه لم يكن يعرف أياً منهم. وقد طلب المحامي أحمد ش. من خالد ي. تجديد رخصة استيراد الأسلحة لتقديمها الى السلطات اليونانية وإدخال أسلحة الصيد الى لبنان لتقاسم الأرباح».
كان على متن السفينة 6400 بندقية صيد و151 صندوقاً من المتفجرات وأسلاك تفجير وفتائل


المفارقة هنا، أن نقابة المحامين في الشمال رفضت إعطاء الإذن بملاحقة المحامي. كما أنه لدى دعوته لسماع إفادته كشاهد، اعتذر بحجة أنه وكيل أحد المدعى عليهم في القضية. وعند مراسلة اليونان مديرية النقل البحري في وزارة الأشغال اللبنانية من قبل القاضية نصار وبواسطة مدعي عام التمييز لتبيان مصير المستوعبين، تبين أنهما لم يدخلا الى الموانئ اللبنانية، علماً بأن مكتب المحاماة الذي كان يطالب بالإفراج عن مستوعب نيترات الأمونيوم أعرب عن عدم رغبته في تسلمه عام 2017.
قصة «ترايدر» تشبه في كثير من أوجهها قصة السفينة «روسوس» التي وصلت الى مرفأ بيروت وتخلى عنها أصحابها، فأفرغت حمولتها من النيترات التي انفجرت في 4 آب الماضي. الفارق أن السلطات اليونانية منعت «ترايدر» من العبور الى بيروت، وأوضحت الأسباب برسالة الى الخارجية اللبنانية في 10 آذار 2016 تعلل فيها أن السفينة لم تحصل على إذن من السلطات اللبنانية أو قوات اليونيفل. وهذا الإذن ضروري للسماح بإدخالها لأنها تحمل أسلحة ومتفجرات ونيترات الأمونيوم ومعدات عسكرية. لكنّ أحداً لم يقف في وجه إدخال «روسوس» للمادة نفسها. ووفقاً للقرار الظنّي، قام المحامي أحمد ش. بإبلاغ المدعى عليه خالد ي. ما حرفيّته: «في بضاعة طلعت من تركيا باسمك وجهتها ليبيا، أما المستوعب الذي يحتوي على أسلحة الصيد فوجهته بيروت. ونحن إلنا مصاري فيه وبدك تساعدنا»، فجاءت إجابة خالد ي. أنه لم يستورد أي سلاح من نوع «أكار» منذ 10 سنوات، ولا يمكنه الاستيراد بحراً، فطلب منه المحامي تجديد رخصته لتخليص المستوعب من الحجز في اليونان، علماً بأن المدعى عليه طلال د. أبلغ خالد ي. أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها شحن بضائع على اسمه واسم شركته من دون علمه، وعبر شركة Mavidrniz. وتبيّن من جهة أخرى، أن وكيل الشركة المستوردة لنيترات الأمونيوم Safricas أعرب بعد مصادرة المستوعب عن عدم رغبته في تسلّمه في العام 2017. وتبيّن أيضاً، بحسب القاضية، أنه يتم استئجار سفن وتملكها لهذا الغرض وتغيير طاقمها من قبل شركات مسجلة في الجنّات الضرائبية من قبل شركات وهمية. ولدى توقيف سلطات دولة معينة شحنات مشبوهة، يتم فوراً التخلي عن الشحنة أو السفينة لتصبح يتيمة. وأضافت القاضية نصار أن معظم شحنات الأمونيوم وغيرها من المتفجرات المستوردة بشكل غير شرعي ومن دون ترخيص يتم نقلها تحت ستار شحنات أخرى وعبر اختلاق أسباب لدخول البواخر التي تحملها الى موانئ معينة لإنزال النيترات بشكل غير شرعي، كسوء الطقس أو الحجز على الباخرة أو تعطّلها. الأهم أنه تبين أن أسلحة الصيد لم تطلبها الشركة التي يملكها المدعى عليه خالد ي. من المصنع في تركيا، بل طلبت على اسم شركته ومن دون علمه. «فهل يكون الهدف من ذلك دخول باخرة ترايدر الى لبنان بما تحمل؟»، سألت القاضية.
وقررت القاضية «وفقاً وخلافاً للمطالعة»، الظن بالمدعى عليهم الأربعة بجنح المواد 471 و471/454 و655 من قانون العقوبات والمواد 17 فقرتها الثالثة و72 و73 من قانون الأسلحة والذخائر، وإيجاب محاكمتهم أمام القاضي المنفرد الجزائي في طرابلس، ومنع المحاكمة عن صاحب شركة بنادق الصيد لعدم توافر عناصر الجنح المذكورة القانونية، وتسطير مذكرات تحر دائم لمعرفة كامل هوية المدعوين: القبطان علاء آني (سوري الجنسية) وعلي عكر (تركي الجنسية)، ومالك معمل «تشرشل» لتصنيع أسلحة الصيد في تركيا، وامراح تونغو (تركي)، ومالك شركة essentials services world wide، وعلي كجك (تركي الجنسية)، ومالك شركة Mavideniz.
إشارة هنا الى أن ملف السفينة «ترايدر» لم يفتح سوى بعد حصول انفجار بيروت. وثمة تساؤلات بشأن عدم موافقة نقابة محامي الشمال على إعطاء الإذن بملاحقة المحامي أحمد ش. رغم تورّطه في هذه القضية.