منذ اللحظة الأولى لانتشار فيروس «كورونا» في شباط الماضي، كانت المعركة غير متكافئة. مستشفيات انخرطت بكليتها في مواجهة الفيروس، فيما نأت أخرى بنفسها متفرّجة عليه يحصد الضحايا الذين وصل عددهم حتى يوم أمس الى 2020. أحد عشر شهراً، ولا تزال «الجبهات» على حالها: منخرطون ومتخاذلون. والأمر ليس حكراً على المستشفيات الخاصة فحسب، بل يشمل أيضاً مستشفيات حكومية تغاضت عن كل قرارات وزارة الوصاية الداعية إياها إلى المشاركة. دعوات كثيرة وجهتها وزارة الصحة لهؤلاء لم تلقَ أجوبة، إلى أن طفح الكيل، فبادرت إلى توجيه كتبٍ رسمية أخيرة إلى المستشفيات الحكومية المتقاعسة، وإنذارات للمستشفيات الخاصة وصلت حدّ التهديد بخفض تصنيفها وإلزام الصناديق والهيئات الضامنة بالفوترة وفق التصنيف، وتعليق عقود بعضها مع الجهات الضامنة. ولمّا لم تستجب هذه الأخيرة، عمدت الوزارة إلى نشر أول لائحة بأسماء 67 مستشفى لم تفتح غرف عناية فائقة مخصصة لـ«كورونا»، بينها مستشفيات جامعية كبرى. ولئن كانت وزارة الصحة غير قادرة على ما هو أبعد من التشهير بالمستشفيات الخاصة، إلا أن الحال ليست كذلك مع المستشفيات الحكومية، إذ بادر وزير الصحة حمد حسن، أمس، إلى رفع دعوى بحق مديري أربعة مستشفيات (قانا وحاصبيا وقبرشمون وضهر الباشق) أمام النيابة العامة التمييزية «لتلكئهم الواضح وتقاعسهم في تجهيز أقسام خاصة بمرضى كورونا، ولا سيما أسرّة العناية الفائقة، رغم الإمكانات والمساهمات المالية التي وضعت في تصرفهم من موازنة الوزارة منذ أكثر من ثلاثة أشهر».«هذه ليست آخر القرارات». هذا ما تقوله مصادر وزارة الصحة، إذ إن السباق مع فيروس «كورونا» لم يعد يحتمل الانتظار، ولا مبرر لعدم انخراط المستشفيات المتقاعسة، خاصة وحكومية، في المواجهة.
إما أن المستشفيات تكذب بتخصيص 600 سرير أو أنها لم تستنفد طاقتها الاستيعابية ولا يزال هناك نحو 100 سرير


تنطلق المصادر في حساباتها من الأرقام التي «لا تكذب». بلغة الأرقام، وبعيداً من المستشفيات الحكومية التي باتت قضيتها اليوم في «عهدة القضاء»، يمكن للصورة أن تكون أوضح. والأرقام تفيد بأن عدّد الأسرة في المستشفيات في لبنان هو بحدود 15 ألف سرير، 80% منها في المستشفيات الخاصة، أي نحو 12 ألفاً و500 سرير. أما عدد غرف العنايات الفائقة فهو بحدود 2500، منها نحو 1800 غرفة في القطاع الخاص. من مجمل هذه الأرقام، تخصص المستشفيات الخاصة 600 سرير عناية فائقة (منها 200 جهّزتها في خمسة أيام بعد تهديدات وزارة الصحة) ونحو 1300 سرير لمرضى «كورونا» (حالات استشفاء). هذا كل ما تقدمه 127 مستشفى تملك 13 ألف سرير في مواجهة الوباء. وقد أعلنت نقابة أصحاب المستشفيات، أول من أمس، أن هذا «أقصى» ما ما يمكن تقديمه، مشيرة إلى أنها وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى. لكن، هل الأمر كذلك فعلاً؟
تستبعد مصادر صحية أن تكون هذه الخلاصة دقيقة. بالأرقام، أيضاً، تشرّح المصادر الواقع، لافتة إلى أن «عدد حالات الاستشفاء بلغت حتى يوم أمس 2176، منها 799 في العناية المركزة. فإن كانت المستشفيات الحكومية قد استنفدت كل أسرّة العناية لديها والمقدرة بـ300 سرير، فكيف استنفدت المستشفيات الخاصة أسرّتها إذاً؟ فإما أنها تكذب وليس هناك 600 سرير، وإما أنها لم تستنفد طاقتها الاستيعابية وبقي هناك ما يقرب من 100 سرير؟ فأيهما الجواب الأدق؟». تتابع المصادر: «فلنفرض أن إشغال تلك الأسرة كان بحدود 100%، فلماذا لا تخصّص، مثلاً، لمرضى كورونا من الأسرّة المتبقية التي لا تقل عن 1200؟ وهل يحتاج المرضى العاديون إلى كل تلك الأسرّة؟». أما بالنسبة الى الأسرّة العادية، فـ«ماذا يعني أن تقدم 127 مستشفى فقط 10% من أسرّتها (1300 من أصل 12500 سرير)؟ يعني ذلك أن هناك مستشفيات تضحك علينا بسرير وسريرين».
ثمة أمر آخر يتعلق بالقابعين في غرف العنايات على أجهزة تنفس اصطناعية. تذكر المصادر أنه في الفترة الماضية «وزعت وزارة الصحة 340 جهاز تنفس، وهي إحدى الدفعات التي جاءت عبر قرض البنك الدولي، وقد نالت المستشفيات الخاصة منها 200 جهاز. أضف إلى ذلك أن الدفعة الأخيرة التي تسلمتها الوزارة أخيراً، وهي عبارة عن 100 جهاز، رصد منها 42 جهازاً للمستشفيات الخاصة». اليوم، هناك 246 حالة موصولة الى أجهزة التنفس «منها نحو 160 في المستشفيات الحكومية، ما يعني عملياً أن ثمة أجهزة تنفس تفوق عدد الحالات الموجودة في المستشفيات الخاصة، فماذا عنها؟». انطلاقاً من هنا، يشكّك المعنيون في عدم قدرة هذه المستشفيات على زيادة قدرتها الاستيعابية، «فمن يجهّز 200 سرير عناية في غضون خمسة أيام، يعني أن لديه القدرة على إضافة المزيد».
أسئلة مشروعة لكنها تبقى من دون أجوبة، خصوصاً في ظل حالة الإنكار التي تمارسها غالبية المستشفيات الخاصة. ما يحصل اليوم أن «هذه المستشفيات لا تريد أن تفتتح أقساماً للكورونا»، علماً بأنها «تجني أموالاً كثيرة من برّا لبرّا عَ ضَهر مرضى الكورونا من فحوص الـpcr التي تتخطى كلفتها ما هو معترف به وصور السكانر والأشعة وغيرها».
يحدث كل ذلك، فيما عدّاد الإصابات والوفيات لا يتوقف عند حد. فيوماً بعد آخر، يصبح الوضع أخطر مما كان عليه. وأمس وحده، كان عدد الضحايا 63، ما رفع العدد الإجمالي إلى 2020 حالة. أما الإصابات التي سجلت وهي 4359، فقد تخطّت نسبة الفحوصات الإيجابية فيها الـ20% من عدد الفحوصات، وهو رقم مرتفع جداً بكل المقاييس.